ويصطف المواطنون منذ أسبوعين في طوابير طويلة أمام منافذ بيع غاز الطهي التي تشهد أزمة خانقة في العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وقال علي لـ"العربي الجديد" :" لم أكن أتوقع أن ترتفع مبيعاتي ثلاثة أضعاف في طوابير المواطنين أمام محطات تعبئة الغاز، فالكمية التي كانت لا تنفد خلال يوم كامل أبيعها خلال نصف نهار، وأذهب لشراء كمية أخرى وأبيعها بالكامل عند حلول المساء، لم أكن أجني 1500 ريال (4 دولارات) في اليوم، وبعدأزمة الغاز أجني 44 آلاف ريال (10 دولارات)".
وارتفعت أسعار الغاز في السوق السوداء بنسبة 400%، حيث تباع الأسطوانة زنة 26 كيلوغراماً بسعر 7 آلاف ريال (18 دولاراً)، في حين يبلغ السعر الرسمي 1250 ريالاً (3 دولارات).
ومنذ مطلع الأسبوع الجاري وفرت سلطات الحوثيين كميات بسعر 3 آلاف ريال (8 دولارات) عن طريق منافذ البيع الرسمية، التي تشهد ازدحاماً شديداً.
وأنعشت طوابير الغاز تجارة الباعة الجائلين في تطبيق عملي للمقولة الشهيرة "مصائب قوم عند قوم فوائد"، كما خلقت فرصة عمل لعشرات الشباب الذين يحصلون على مقابل مادي جيد، مقابل الوقوف في الطابور بدلا عن أسر لديها انشغالات أخرى ولا وقت لديها.
وتمتد الطوابير لأكثر من كيلومترين عند كل محطة، ويصل الكثيرون الليل بالنهار للحصول على أسطوانة غاز.
ويحصل كل صاحب منزل على "كارت" من عاقل (شيخ) الحارة التي يسكنها، وبموجب الكروت يصطف السكان في الطابور، أو يقومون بتسليمها لأحد شباب الحي مقابل الاتفاق معه على مبالغ محددة.
وقال وائل حميد 17 عاماً، لـ "العربي الجديد" إنه يحصل على ألف ريال عن كل أسطوانة غاز يقوم بتعبئتها لصالح الآخرين، مضيفا: "الطابور طويل جدا وبعد يومين من دخولي لا يزال أمامي 27 شخصاً، وكثيرا ما تغلق المحطة لنفاد الكمية وننتظر حتى وصول كميات إضافية، يستغرق الحصول على أسطوانة غاز أربعة أيام بلياليها وأحياناً أكثر".
ويقوم ملاك المطاعم وأفران الخبز بتوظيف عشرات الشباب للوقوف في طابور الغاز، ويحصل كل مطعم على ثلاثة بطاقات فقط تمنحه ثلاث أسطوانات غاز، لكن الكثيرون يدفعون رشاوى ويحصلون على حصة أكبر.
بيد أن الكثير من الأسر لا يمكنها الدفع لأحد شباب الحي للوقوف في الطابور، ويتناوب أفرادها في الطابور، فتقف الأم منذ الصباح حتى الظهيرة وتغادر بعد الظهيرة عند عودة أطفالها من المدرسة إلى الطابور، ويقف الأطفال في الطابور حتى حلول المساء الذي يناوب فيه الأب حتى الصباح.
وتحولت هذه الطوابير إلى سوق كبيرة شهدت انتعاشاً ملحوظاً لتجارة الباعة الجائلين الذين يرابطون لتسويق بضائعهم وخصوصا المياه المعلبة والوجبات الخفيفة والبطاطا المقلية.
وينتج غاز الطهي من حقول صافر بمحافظة مأرب (شرق) الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، واستمرّت في تغطية احتياجات السوق المحلية على مدى سنوات الحرب على الرغم من توقّف إنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، ويُباع الغاز في مناطق الحكومة بسعر 1500 ريال بعد إضافة أجور النقل.
وتقول الحكومة إنها تزوّد المحافظات الخاضعة للحوثيين بمادة غاز الطهي بكميات كافية وبسعر 10500 ريالاً، على أن تُباع الأسطوانة للمستهلك بسعر 1250 ريالاً بعد احتساب أجور النقل، وتتهم الحوثيين بالمتاجرة بمعاناة الناس ورفع أسعاره لتمويل حروبهم.
وعطّل الحوثيون شركة الغاز الحكومية، وفتحوا الباب أمام القطاع التجاري الخاص لتوريد مادة الغاز من حقول صافر في محافظة مأرب الخاضعة للحكومة إلى مناطقهم، وفرضوا رسوماً على ناقلات التجار في منافذ جمركية تم استحداثها، فضلاً عن فرض إتاوات في حواجز التفتيش الأمنية على الطرقات.
وتسببت أزمة الغاز في عودة مظاهر الحياة والوسائل البدائية للطبخ والتدفئة، وتوسعت أسواق بيع الحطب، حيث لجأ سكان العاصمة اليمنية إلى وسائل بديلة لطهي الطعام منها أفران الطين التي عادت للعمل بعد عقود من اختفاءها، ويتم تشغيلها باستخدام الأخشاب والورق، كما لجأ البعض إلى توليد النار عن طريق الهواء ونشارة الخشب.
ويستخدم جزء كبير من السكان روث الحيوانات المعروف شعبيا باسم "الضفع" من أجل الطهي والتدفئة، وتأتي من أرياف صنعاء، حيث يتم تجفيفها واستخدامها في إيقاد النيران لطهي الطعام.
وتفاقمت أزمة الغاز خلال الفترة الأخيرة، حيث اختفت المادة تماما حتى في السوق السوداء وبات الحصول على أسطوانة غاز من المستحيلات، ما أثر سلباً على العديد من القطاعات التجارية. وأدى انعدام غاز الطهي إلى إغلاق مطاعم كثيرة في العاصمة اليمنية.
وفي هذا السياق، أوضح مدير أحد مطاعم الفول في شارع هائل لـ "العربي الجديد" إنه اضطر لإغلاق مطعمه لمدة يومين بسبب انعدام مادة الغاز. وأضاف مدير المطعم، الذي رفض ذكر اسمه، أنه أعاد فتح مطعمه مجددا بعد حصوله على أسطوانة واحدة بسعر 10 آلاف ريال ، لكنه يظل مهدداً بالاغلاق مرة أخرى بعد نفادها.
ويشهد اليمن حرباً مدمرة بدأت نهاية عام 2014 بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة، وتصاعدت وتيرة الصراع منذ مارس/ آذار 2015، عندما أطلقت السعودية عملية عسكرية ضد ما تسميه النفوذ الإيراني في اليمن.
وتتزايد مؤشرات الفقر والبطالة في اليمن يوماً تلو الآخر، بينما يعد الملايين ممن يعانون من أزمات إنسانية حادة، خارج حسابات المتناحرين. ويعيش حوالى نصف السكان البالغ عددهم 26.8 مليون نسمة في مناطق متأثرة مباشرة بالنزاع، الذي أدى إلى انهيار المؤسسات الاقتصادية، وصعود قياسي في أسعار المواد الغذائية والوقود.
ويأتي اليمن ضمن أفقر ست دول من أصل 118 دولة في العالم، وفقاً لتقرير الجوع العالمي 2016، الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية.
ويشكل استمرار الحرب أبرز التحديات في عودة الخدمات العامة للمواطنين، سواء في مناطق الحوثيين أو الحكومة، بسبب تدمير الكثير من المنشآت وتوقف عمل أغلبها، بالإضافة إلى حالة الشتات للكادر والأيدي العاملة في الأجهزة الحكومية، في ظل النزوح.
المصدر: العربي الجديد
- المقالات
- حوارات
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً