بقلم: د: محمد عوض هرورة
إذا لم تكون العبارات صحيحة، فإن اللغة لن تكون متوافقة مع حقيقة الأشياء، وإذا كانت اللغة غير متوافقة مع حقيقة الأشياء، فإنه لا يمكن أن تسير الامور على نحو صحيح أو تنفذ بصورة صحيحة كما يقول: الفيلسوف وحكيم الصين (كونفوشيوس) .
لأن فهمنا للحقيقة يعتمد أساسآ على استعمالنا للاشارات اللفظية التي تشكل اللغة التي نتكلمها، كما يقول:( دي سوسير) .
و اللغة ماهي: إلا مجموعة من العلامات التي تعمل على تحري العلاقة بين الكلمات والفكر، والوقائع العملية كما يقول :(اوستين) في نظرية أفعال الكلام حول كيف تنجز الأشياء بالكلام .
والكلمة عند (بول ريكور)، ودولوز وفوكو هي وحدة نشاط مشحونة بالقوة، إنها تندفع كطلقة الرصاص التي تصيب الهدف ،ولا تستطيع قوة على الأرض أن توقفها ولقد عرفنا من اليونان أن Logos تعني الكلمة كما تعني العقل، والفكر ولقد كان المعنيين مترابطيين في ذهن الرسول (يوحنا)، وفي اذهان كبار المفكرين اليهود عند حديثهم عن الكلمة فحينما كانوا يتحدثون عن الكلمة كانوا يقصدون فكرة الله وكلمة الله، أي أضفى الفكر اليهودي على الكلمة القوة، والسلطان .
وبما أن الكلام لا يدل بنفسه، وانما يدل على ما يريده المتكلم فان استخدام اللفظ الصحيح والعبارة الصحيحة والفعل الصحيح والجملة الصحيحة يساعد في بناء المفاهيم التي ليست قطع الة نظرية ألية، ولا أدوات إرادة، أو انعكاسات ثقافة، إنها متطلبات موضوعية في المعرفة لان الممارسة العملية الجادة تتطلب مصطلحات جادة بدءا من تسمية العلم وانتهاء بتحديد مصطلحات اخرى، حسب رأي: ( جيفري بول ) في النظرية النحوية ،ولأن الفهم السليم للكلام، لا يقاس بفهم معنى الجمل فقط، بل بالادراك السليم لمراد المتكلم منه .
لذلك نجد أن تحديد المفاهيم في النص هو المرآة العاكسة للمعنى في الخطاب أي كان نوع هذا الخطاب، ولكل خطاب منطقه فمنطق الكتابة غير منطق الفعل، ومنطق القول غير منطق إنتاج الشيئ، وكما أن لكل فعل دلالته فإن لكل قول دلالته أيضآ بقول : ( إيرين تامبا) من أن الإنسان كائنآ رمزيٱ وضع حياته كلها في اللغة ، وفي كل الانساق الدالة التي تستوطن الذاكرة التجريدية .
ويؤكد الدكتور (ابراهيم أنيس) على أهمية دلالة الألفاظ، وسريان تلك الدلالة على مجمل النشاط اللغوي بالقول: لا تفشل الحوارات بين البشر ومنها الحوارات السياسية بسبب التباين في الرؤى و المعتقدات السياسية، والدينية والتناقضات الأيديولوجية بل كثيرًا ما تفشل بسبب تباين دلالات الألفاظ وما تعكسه تلك الألفاظ من دلالات هامشية في أذهان وعقول المتحاورين .
وبما أن الكتابة هي الوعاء الذي تحضر فيه اللغة بكل قوتها، واسلحتها، وأدواتها، وفنونها، لأن الكتابة حسب تعريف (دريدا): بأنها عملية إبداعية ماكرة، هذا التعريف طرح بدوره العديد من الإشكاليات حول ماهية الكتابة هل الكتابة انبثاق من صميم الذات؟ أم هي ابداع من أشتات الغير؟ أم هي مزيج من هذا وذاك؟ وقد طرح هذا السؤال الجوهري والكبير عبد المالك مرتاض في موضوعه (الكتابة أم حوار النصوص؟) والذي نشر في مجلة الموقف الأدبي الصادرة عن اتحاد الأدباء العرب في دمشق العدد (٣٣٠)تشرين أول 1998 م .
هذا السؤال أعاد طرحه الدكتور محمد خطابي في كتابه (لسانيات
النص) ومن خلال استعراضه للعديد من النظريات اللسانية وصل إلى استنتاج نهائي وهو أن النص لا يمكن أن يكون إلا متعدد، لأن قراءات الكاتب السابقة ونوعية هذه القراءة تنعكس في النص الذي يكتبه بحيث تعكس نمط الثقافة والعصر الذي أنتجت فيه هذه الثقافة .
وهنا أنوه إلى انه بفحص المفردات والمفاهيم التي تردد في كتابات نشطاء الحزب الإشتراكي النصية وما تحمله تلك النصوص من دلالات، ماهي إلا انعكاس لنمط خطاب أصولي يعكس التفكير والثقافة، والزمن الذي وجد فيه الحزب، فكما يفكرون يكتبون، يجيدون كما يقول: المفكر المغربي (عبد الكبير الخطيبي) فن الحوار مع الأشباح، ونسج العلاقات مع الموتى .
- المقالات
- حوارات
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً