بقلم/ هادي حسن حمودي
يتداول الناس كلمة الانتظار وانتظر والمناظرة ومشتقات منها في عديد من شؤون حياتهم اليومية. فأنت حين تحدد موعدا لصاحبك تنتظر وصوله، وهو ينتظر حلول الوقت المحدد كي يصل إليك. وتدخل مؤسسة من المؤسسات العامة، فعليك الانتظار، وربما ستنتظر فيها ساعات قبل أن تستطيع إنجاز ما جئت لأجله. وكل هذا عائد إلى النظر.
فتعال معي ننظر في النظر والانتظار، ولكن قبل ذلك علينا أن نعلم أنّ كلمة الانتظار لا تلفظ بهمز الألف، على غير ما نسمعه في نشرات أخبار وسائل إعلام العرب العاربة والمستعربة، لا المرئية ولا المسموعة. كما علينا أن نعرف أن هذه الكلمة تكتب بالظاء (ظ) لا الضاد (ض).
الجذر اللغوي (نظر) دالّ على تأمل شيء ما بعد مشاهدته ورؤيته. ومِنَ اللغويين مَن رآه قاصرا على ما وصفه بحسّ العَين. ونرى هذا تجوزا أو تضمينا لمعنى لفظ آخر أقل تمعّنا واستقصاء. وفي قول العرب: ألقيت عليه نظرة عابرة، ما يدل على ذلك. فالوصف بالعابرة يخفف من مدى عمق معنى النظر. ذلك أنّ لك أن تقول: رأيت فلانا يكتب رسالة، فإن قلت: نظرت إليه، فإنما تعني أنك تتأمله بشيء من التدقيق، إلا إذا ضمنت: رأى، معنى: نظر. وهذا جائز إن كان في الكلام دليل عليه. ومثله أن تقول: نظرت إلى هذه الزهرة فأعجبني جمالها. ونظرت في مقالتك فأعجبتني بأسلوبها ومضمونها. وإذا كنت طبيبا وقلت لمريضك: سأنظر في نتائج تحليل دمك، وأصف لك الدواء، فأنت لا تكتفي بمشاهدة عابرة، أو لمح بصر. ولا شك في أنك قد قرأت أو سمعت من يكتب أو يقول: وبالنظر إلى ما مرّ فإن النتيجة كذا وكيت. لأنه يريد أنه درس ما مرّ ووصل منه إلى النتيجة التي أعلنها. فالنظر في الأمر: التفكر فيه واستقصاؤه استقصاء دقيقا. ولا ننسى أن حروف الجر الواردة بعد فعل النظر لها تأثير في تحديد معناه، وكذلك سياق الجملة.
ومن طريف استعمال هذا الفعل، أنك إذا رأيت جارك يتطفل على دارك فيمعن في التطلع إليكم، فلك أن تقول: لي جارٌ نَظَرٌ، فأنت تحوّله من كائن إلى صفة تغلب صفاته الأخرى، لأنها الأظهر عليه.
والنظر في اللغة والبلاغة نظران: نظر عين ونظر قلب، حسب تعبير اللغويين والبلاغيين. ويريدون بنظر القلب ما كان أكثر تعمقا في التأمل. وفي لسان العرب لابن منظور ما يجدر بالدارس أن يعود إليه، فثمة تفصيل كلام نافع، لا يتسع له الحجم المحدد لهذه الحلقات. ووصف الشاعر عتيبة بن مرداس حبيبته بأسالة خد ورشاقة قدّ، على غير ذوق زمانه في حب الضخامة لا الرشاقة، فقال:
قليلة لحم الناظِرَين، يَريبُها
شبابٌ ومخفوضٌ من العيش باردُ
الناظِرَين، بفتح الراء، تعني الخدّين. وقد سُمّي الخدّ ناظِرا، توسعا في المجاز، وكأنه محطّ أنظار الآخرين لجماله. ولهذا الاستعمال نظائر. ومخفوض العيش: طيبه.
والانتظارُ تجسيد لمعنى هذا الجذر لأنك حين تترقّب صاحبا لك قد تنظر في ساعتك من لحظة إلى أخرى، وتفكر في الوقت المتبقي لوصوله، وكذلك حين تروم إنجاز معاملة لك في مؤسسة ما. فإن قلت: نظرت فلانا فتأخر عن موعده، فقد أكسبت لفظة: نظر، معنى الانتظار مجازا. وهذا جزء من نظر القلب لا العين. وجاء (أنْظِرنا) في شعر عمروبن كلثوم بقريب من معنى أمهلنا، وذلك قوله:
أبا هند فلا تعجل علينا/ وأنظِرْنا نخبّرك اليقينا
إذ معناه انتظِرْنا، متضمنا معنى: أمهلنا في إطار التهديد.
ومنه المناظرة، وهي أن تناظر أخاك في أمر تتفقان على كيفية أدائه. ثم توسعوا في معنى هذا التركيب اللغوي فصارت المناظرة عامة بين المتحاورين حتى لو كانوا خصوما. وورد في القرآن عديد من مشتقات الجذر، فلنختم الموضوع بالآية الكريمة: (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ).
- المقالات
- حوارات
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً