وتتناول الأطروحة كيف بدأ وتنامى الميل الثنائي في التفسير والتحليل لدى الوردي، كما في «الحق» و«الجبروت»، أو «الدين» و«السياسة»، و«المثالي» و«الواقعي»، و«الديني» و«الدنيوي» و«علي» و«عمر»، إلخ. وتسلط الضوء على مرجعياته النظرية التي ضمّت نخبة من علماء الاجتماع والتاريخ الغربيين وعدداً من المفكرين والكتّاب العرب. على صعيد المفكرين الغربيين برزت أسماء: آرنولد توينبي، وكارل ماركس، وفردريك هيغل، وكارل مانهايم، وجون ديوي، وجورج هربرت ميد، وجارلس كولي، وكيمبل يونغ، وهاوارد بيكر، وروبرت بارك وجورج سيمل، إلى جانب المنظرين الكلاسيكيين من أمثال: ماكس فيبر ونيتشه وإيميل دوركهايم.
أما على صعيد المفكرين والكتّاب العرب فبرزت أسماء: طه حسين وأحمد أمين وساطع الحصري إلى جانب عدد من الفلاسفة والمفكرين الكلاسيكيين المسلمين من أمثال أصحاب الفرق والحركات الدينية، كما في المتصوفة والمعتزلة والباطنية، وأبي حامد الغزالي وابن باجة وابن طفيل وابن رشد.
ليس هدف هذه الأطروحة دراسة ابن خلدون أو نظريته بالتفاصيل الدقيقة، بل أن نرى ابن خلدون بضوء مختلف، أو باستعمال مفردة كارل مانهايم، أنْ نراه من خلال وجهة نظر تختلف بدرجة كبيرة عن وجهة النظر المألوفة. عاش ابن خلدون في ثقافة مختلفة تماماً عن ثقافتنا الحاضرة، وكان معتاداً على النظر إلى العالم ضمن إطار مرجعي غير مألوف بصورة تامة حتى ضمن مقاييس زمانه. المهمة الأولى التي تطرح أمامنا إذن، من أجل أنْ نفهم ابن خلدون، هي إعادة بناء وجهة نظره أو استعمال إطاره المرجعي، ومحاولة النظر إلى الظواهر الاجتماعية من خلالها.
يأخذ هذا العمل، كما يُظهِر عنوانه الفرعي، دراسة في علم اجتماع المعرفة، ابنَ خلدون نقطة مرجعية في القضية. فقد دُرِسَ ابن خلدون بصورة رئيسية لإظهار كيف أنّ نظريته والنظريات التي أُنتِجَتْ في ثقافته يمكن أنْ تنسجم في مخطط عام لعلم اجتماع المعرفة، كما تمّ تطويره من قبل علماء الاجتماع المحدثين.
وعلم اجتماع المعرفة هو فرعٌ جديد جدّاً في مجال علم الاجتماع، وطُوِّرَ وأصبح على ما هو عليه في نحو أربعينات القرن العشرين. وفي هذا العلم، يُعَدُ العقل الإنساني، طبقاً لمسلماته الجوهرية، ليس مرآة معصومة عن الخطأ، وإنّما الأداة التي وضعت بيد الإنسان لمساعدته في النضال من أجل الوجود.
- المقالات
- حوارات
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً