الرئيسية - ثقافة وفن - قصة قصيرة: أمنية منسية..!!
قصة قصيرة: أمنية منسية..!!
الساعة 01:35 صباحاً (الحكمة نت - خاص:)
ـ بقلم: مروة الحسين

إستفقت على ضجيج أبواق السيارات من خلفى عند إشارة المرور، كنت منشغلة جداً بالبحث عن أغنيتي المفضلة، من خلال الـ«MP3» .. وعندما هممت بالتحرك إكتشفت أنني لم أكن سبب توقف حركة السير بل السيارة التي أمامي .. بدا لي سائقها وكأنه يحدق بي من خلال المرآة، لكنني لم أكن منتبهة .. بعد سيل من الشتائم من أصحاب السيارات الأخرى تحرك ذلك السائق.

انطلقت أنا حينها ومضيت في طريقي، في حين كنت لا أزال أبحث عن أغنيتي و اخيرا وجدتها .. «أنا وليلى» كم أستمتع عندما أسمعها اشعر بهالة من الفرح تكتنفني، تعد بالنسبة لي من أروع ما غنى «كاظم الساهر» .. وفي كل مرة أستمع اليها يدور في ذهني سؤال مُلح: «من أين لكاتبها هذه الكلمات المفردات والصور البديعة؟! .. ترى من أين استوحاها؟» .. على الرغم ان إسمه ليس لامعاً .. الاّ ان أداء «كاظم» كان رائعاً: «غرست كفك تجتثين أوردتي وتقتلين بلا رفقِ مسراتي». ليتني اعلم من اين استوحاها وأي خذلان عاناه ليتولد هذا الإبداع!!.

بدت تلك السيارة التي أعاقت حركة السير عند إشارة المرور تتبأط أمامي، حتى أني كدت أن أتخطاها .. قلت في نفسي: من هذا الغبي؟ .. وكيف له ان يتصرف بهذه الطريقة الفجة وكأن الطريق ملكاً له؟! .. حاولت مرة أخرى ان اتخطاه، وعندما مررت بجانبه نظرت إليه .. بدت لي ملامحه مألوفة، أعتقد أني أعرفه، بل أني متأكدة من معرفتي به.

فجأة توقفت عجلة الزمن .. وعادت بي الذاكرة الى الوراء خمس سنوات منذ أن افترقنا .. يبدو بصحة جيدة، وكأن شيء لم يتغير .. لكنني أقسم ان تلك السنوات غيرتني .. ومع ذلك لم اعد اهتم بالزمن فقد توقفت عن العد .. لم يبقي في ذاكرتي منها شي سوى ذلك الخذلان الكبير الذي سببه لي عندما توقف فجأة عن الرد على رسائلي ومكالامتي.

زواج دام سنتين لم أنسَ عندما أصررت على رأيي وأقسمت لوالدي أنه الأفصل والأنسب والأروع من بين كل من عرفت .. لأول مرة أضحك بدلاً عن الدموع .. يا الهي كم كنت غبية؟.

عادت بي الذاكرة إلى «مايو» شهر العذاب .. لم يكتفِ بما سببه لي من قهر وألم ووجع وعذاب نفسي، بل إنه قبل أن يسافر تعمد إبعادي عن جميع صديقاتي لأنه لم يكن يطيقهن .. استمر بالضحك .. وأتذكر كيف أوهمني بإصابته بداء في القلب، وأنه يستخدم عقار لا يتواجد إلا في «أوربا»، ولأنه ولأسباب تتعلق بي لا يستطيع طلب ذلك العقار .. كان خينها ينسج مخططه للإبتعاد .. في حين كنت أنا بين ذراعيه كطفلة.

آه .. كم كان صادما ذلك الموقف .. أدخلني في دوامة ممتدة من الألم النفسي .. كنت أبحث عن أسباب عدم رده على إتصالاتي ورسائلي .. انتظرت .. وإمتد إنتظاري لقرابة الثمانيه أشهر .. شحبت خلالها ملامحى وخف وزني .. وأثناءها زرت الكثير من العرافين وقارئوا الكف وحتى المتدينون من الشيوخ .. هيأ لي أن عين أحد الحاسدين أصابتنا لأننا كنا نمثل ثنائي جميل واستثنائي ومثالي حسب تأكيد الكثير ممن عرفونا.

وعلى حين غرة أفاجأ بأنه قد تزوج إحدى صديقاتي .. كم كان ذلك الخبر صاعقاً ومفجعاً .. نعم هذا ما قام به .. أصبت بعدها بحالة من الإكتئاب وبدأت في تعاطي المضادات والمهدئات .. وبعد انقضاء سته أشهر أخرى .. وجدتني اتخطى تلك الأزمة وأستعيد عافيتي من جديد .. لأحصل وعبر المحكمة على فسخ لعقد الزواج.

وكما يقال في ديسمبر تنتهي كل الأحلام .. لكنني ولدت من جديد في ديسمبر آخر وعلمت حينها أن كل نهايه هي مجرد مؤشر لبداية أخرى .. فقد دشنت بعدها مرحلة جديدة من حياتي .. كان عملى هو المتصدر لأولويات حياتي .. صحيح ان وزني إزداد كثيرا جراء ما تعاطيته من مضادات الإكتئاب .. الاّ أنني تمكنت بعد ذلك وبعزيمة أكبر أن أعود إلى الوزن المثالي .. واليوم وبعد مرور خمسه أعوام ها أنا اعمل في منصب مرموق، وفي بلد أخرى، واكملت دراسة الماجستير والدكتوراه .. وصرت احظى باحترام وتقدير واسع .. آه كم هي الدنيا صغيرة أن تجمعنا مجدداً في بلد آخر، وكلا له ظروفه وحياته وعالمه الخاص؟!.

أوقف سيارته ليتمكن من رؤيتي .. لكنني لم أعيره أي انتباه، بل اني مررت وكأنني لم أراه، وكأنه لم يكن موجود يوماً ما في حياتي، فقد أقمت عزاءه .. وعشت حالة حداد عليه طيلة عام كامل .. وتخلصت من كل شيء كان يربطني او يذكرني به .. وتفرغت لذاتي انا وحدي.

كنت اتمنى ان أقابله يوماً ما وأتأمل ملامحه عندما يفاجأ بأني بت أفضل مما كنت، وأني لم اتحطم كما خطط .. وبعد أن نسيت هذه الأمنية ها هي تتحقق صدفة ودون تخطيط مسبق .. وعندي يقين ايضاً أنني سأصادفه مرة أخرى، وربما برفقة صديقتي أو زوجته لكن ذلك لم يعد يعني لي شيئاً .. فقد شُفيت وتعافيت وتخلصت منه تماماً، وبالتالي حينها سأمر عليه مرور الكرام .. كما مررت اليوم.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص