بقلم: منصور الصمدي
على غير العادة تابعت خلال اليومين الماضيين على منصة (يوتيوب) بعض الحلقات الاولى لعدد من المسلسلات الرمضانية اليمنية، وما أكثرها .. ويؤسفني القول بأن خير مثال ينطبق على هذه الكثرة هو: «اذا كثر الطباخين فسد المرق» .. فرغم تعدد المنتجين والمخرجين والممثلين، وتوفر كل وسائل الانتاج، الا ان ما بدا جليا هو ان جميع المسلسلات تدور في فلك واحد، وان الدراما اليمنية بشكل عام لا تزال تراوح مكانها، ولم يطرأ عليها اي تجديد او تطوير او تحديث، او حتى تقليد لما وصلت اليه مثيلاتها في بقية البلدان العربية.
سيناوريوهات وحوارات وأفكار واداء اغلبه سطحي ركيك سامج ممل غارق في التفاهة، يسطح الوعي، وينتقص من العقل الجمعي اليمني الذي بات اليوم اكثر نضجا، واكثر قدرة ومهارة على تحليل وقراءة الواقع والتاريخ والمتغيرات، والتمييز بين ماهو غث وسمين، أكثر من غيره .. وحتى لا اوصف بالتجني اليكم بعض الملاحظات والامثلة البسيطة التي دونتها على السريع خلال مشاهدتي لتلك الحلقات:
سوء اختيار الشخصيات، وغياب الرؤية والتجديد في تصور وبناء (الكراكترات)، الى جانب سوء توزيع الادوار، وعدم القدرة على التمييز بين الشخصية الكوميدية الهزلية وتلك الجادة أو «ثقيلة الدم» .. وما التكلف الفج والسطحية الممجوجة التي ظهر بها غالبية الممثلين في أغلب المسلسلات الا خير دليل على ذلك .. مثال بسيط: ليس صحيحا ان يكون المشهد خاص بشغالة (خدامة) تعمل في منزل، وتظهر لنا بوجه غارق بمساحيق التجميل.
غياب الرؤية في عملية المزج بين التراجيديا والكوميديا .. على سبيل المثال: ليس صحيحاً ولا منطقياً ان يكون المشهد خاص بعصابة تقوم بسرقة منزل وتظهر العصابة تقوم بالطبخ والاكل والاحتفال والرقص بداخل المنزل، ثم تختتم المشهد بإظهار أفراد الأسرة الذين تعرضوا لمأساة السرقة يغنوا.
التناقض الكبير في المواءمة بين الحقب الزمنية التي تدور فيها احداث المسلسلات، وطبيعة المحيط الجغرافي الذي تجري فيه عملية التصوير .. مثال: ليس صحيحا ان يكون زمن احداث المسلسل هو الوقت الحالي، أي عصر الانترنت والتلفونات، والذكاء الاصطناعي، ثم تظهر شخصياته يستخدمون الفوانيس العتيقة للاضاءة في الليل.
الافتقار للعمق وغياب الترميز في تقديم الافكار .. وتعمد المباشرة والسطحية في ايصالها، ويتجلى ذلك في اطالة المشاهد، الى جانب تكرار نقل الفكرة باكثر من طريقة (حوار - صور) .. هذا الى جانب اغفال التركيز على مشكلات الواقع وابعادها السياسية والاجتماعية والانسانية .. وهو الامر الذي لا يتيح للمشاهد توظيف عقله وخياله في تصور مجريات الاحداث.
وبالاضافة الى ذلك كله نلاحظ غياب الحنكة والبصيرة الاخراجية، وسوء التصوير، والاضاءة، واختيار الاماكن .. ناهيكم عن الاخطاء الفادحة في توظيف المؤثرات الصوتية، فغير معقول أن تكون عملية تصوير المشهد في ڤيلا، في حين المؤثرات لغابة «اصوات عصافير ورياح وخرير ماء» .. بالاظافة الى الاخفاق في تحديد الوقفات والنقلات بين المشاهد واللقطات، وغير ذلك من الاخطاء التي لا يتسع المجال لسردها هنا.
وبشكل عام نستطيع القول بأن هذه الرداءة والقصور والاخفاقات التي رافقت هذا الكم الكبير من مسلسلاتنا الرمضانية، تقودنا الى حقيقة هامة، وهي انه لا يزال امام الدراما اليمنية الكثير من الوقت والجهد الذي يجب ان يبذل من قبل كافة القائمين عليها «مؤلفين - ممثلين - منتجين - مخرجين - فنيين»، في سبيل الدراسة، والاطلاع، والتأهيل، والتدريب، والاستفادة من تجارب الاخرين - وذلك حتى تصل لدرجة الاحتراف والجودة.
- المقالات
- حوارات
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً