أصل الإنسان في الإسلام!!
ايهاب الشرفي:
تكمن فكرة أن الإنسان كائن حيواني، في أن النزعة الحيوانية داخله تمثل نقطة ضعفه في الأساس، لولا أن الذكاء الفطري الذي يتمتع به جعله أسمى من بقية المخلوقات، لذلك اودعت فيه الأمانة الربانية كما يقرر في ذلك القرآن الكريم.
وما كان للإنسان أن يتطور أو يختلف عن سائر المخلوقات الحية لولا هذه الميزة -ميزة الذكاء-، وهذا التطور إن صح تسميته كذلك (لانه تطور في الذكاء والأدوات وليس في الهيئة والروح) ناجم عن حاجة الإنسان المستمرة لتعويض جوانب النقص البيولوجية فيه.
فالإنسان لا يمتلك القوة العضلية كما هو الحال عند بعض الحيوانات، إذ يعتبر كائن ضعيف جسديا لكنه ليس كذلك معرفيا، فالإدراك والعلم والمعرفة والقدرة على التعلم ميزته عن سائر المخلوقات، وجعلته في أعلى السلسلة الغذائية.
وتمكن الإنسان بفطرته وقدرته على الاكتشاف والتعلم وتطوير المعرفة وأدواتها، من استبدال حاجته المستمرة للبقاء مثل (السرعة والقوة والإحساس بالزمن والاتجاهات..الخ) بتسخير الطبيعة من حوله، وتوظيفها بذكاء لصالح احتياجاته الغريزية للبقاء بالأساس.
فنجد الإنسان البدائي ورغم انخفاض أدوات المساعدة لديه، تمكن من توظيف الطبيعة واحتمى بها، واستخدم الكهوف والجلود والحجارة..ثم مع تطور احتياجاته استخدم المعادن والزراعة وكون المجتمع، وغير ذلك من الأمثلة التي لا تسمح بتفسير أنه تطور ذاتي في نفسه بقدر ماهو تطور في المعرفة والعلوم، تطور روحي ناتج عن الحاجة والغريزة.
وبالتالي فإن التطور الذي يصاحب الإنسان منذ نشأته وحتى الآن، لايبتعد عن حقيقة أنه تطور معرفي وليس بيولوجي، وأنه كيان منفصل عن الحيوان، وليس كما ذهب إليه الماديون في قولهم -لا فرق بين الإنسان والحيوان إلا في الدرجة وليس في النوع- وهو أمر منافي لشكل حياته وطبيعته الروحية والثقافية.
وإلا لما ظهرت التضحيات المتوحشة في العصر الحيواني المزعوم التي تتنافى مع حقيقة كون الإنسان كان حيوان في أصله، فهي محصورة في الإنسان على شكل طقوس دينية لا توجد بالحيوان، ولا توجد آثار أو دلائل على أن الانسان كان حيوان قبل أن يصبح انسان، فيما وجد أول تمثال في الأرض عبارة عن أله وثنية تُعبد، وليس بمقدور الحيوان فعل ذلك.
وعلى الرغم من وجود بعض الصفات التي يشبه فيها الإنسان الحيوان، في بعض الغرائز، كالاقتصاد والمجتمع واللغة، إلا انه لا يوجد في عالم الحيوان كله ما يشبه الإنسان، فاللغة نوع من التواصل الحيواني، والذكاء والقدرة أيضاً صفات مشتركة، إلا أن الإنسان يمثل شكل أخر من الذكاء والمعرفة.
يتميز الإنسان أيضا بالقدرة الواسعة على تسخير الطبيعية، عكس الحيوان الذي يسخر جزء بسيط منها، فمثلا: الصيد عند الحيوان غريزي متصل بالبقاء، بينما الإنسان يتجاوز ذلك إلى الرفاهية ولتخزين والوحشية، وتبقى الأمور الأخرى مختلفة تماما، كالمطبخ والذوق والموسيقى والفن والدراما والمسرح..الخ
لذى كان الإنسان كائن منفصل بذاته وكيانه، ولا يمكن أن يكون حيواني الأصل، فغريزة الحيوان مهما كان شكلها أو تطورها فإنها لا تصل أبدا إلى الكيان الروحي العميق الذي وصل إليه الإنسان ولن تصل، بالنظر إلى شكل وطبيعة الحيوانات التي وجدت قبل الإنسان وبعده، ولا يوجد ما يدل على تطورها أو إختلاف شكلها وطبيعة حياتها(التمساح اليوم هو ذاته قبل30 الف سنة).
كذلك الإنسان هو ذاته في شكله وهيئتة ومنهجية تفكيره، هو ذاته الكيان الروحي الذي يبحث بإستمرار عن المعرفة والتطوير والإبداع.. وأبعد منها عن ما يغذي شعوره الروحي وحاجته المستمرة لكيان يستند إليه، لمعبود يلجأ إليه، يغذي عاطفته ويمنحه شعور الأمان ويجيب عن اسألته الصعبة، على سبيل: أسباب وجوده ومصيره بعد الرحيل.
ومن غير المعقول أن مخلوقاً بهذه الصفات، كان قبل 15الف سنة شيء مختلف، وتحول من حيوان إلى إنسان يمشي على قدمين بدل أربع، وأصبح مغرما فجأة بالطبيعة التي هو منها بالأساس وشرع برسم الزهور والأشجار وصناعة الأوثان التي ظهرت مع تحوله المفاجئ على شكل شعائر دينية تشير آثارها إلى أبعد من تاريخ تحوله المزعوم.
وإن كان أصل الإنسان حيواني كما يزعم الماديون، لماذا لم يسعى الإنسان البدائي عن البحث في ما يشبع غرائزه البيولوجية -الصيد والأكل والاحتماء-وإنما ذهب إلى البحث عن إشباع جانبه الروحي عبر الدين! ومن ثم لم وجدت العبادات والتشريعات كجانب روحي لا مادي، ولم لم تتطور هذه الصفات في بقية الحيوانات إن كان أصل الإنسان حيوان كما يزعمون!؟ ولماذا يعبر الإنسان عن مخاوفه وحاجاته من خلال الدين ويبحث فيه عن الخلاص إن كان أصله حيوان!؟
العلم القاصر عن أصل الإنسان يتناقض مع حقيقة الإنسان ذاته وكيانه الروحي، واختلاف الإنسان عن الحيوان ليس في الشكل والجوهر او الجانب الروحي والثقافي فحسب، كما هو الحال في التمرد والتدين وغير ذلك من الصفات الروحية والمادية.
تلك الصفات والغرائز الفطرية في الإنسان لا توجد لدى الحيوانات التي تنحصر حياتها في البقاء فحسب، في صراع ازلي متكرر لا ينفصل عن واقع اسلافها أو أخلافها، فيما الإنسان الكيان الروحي الذي يعبر عن روحه وكيانه بصورة مستمرة على شكل من اشكال الثقافة، في الشعر والأدب والرسم والنحت، في المباني والقصور والتطوير المستمر لأشكال الحياة وآلية البقاء.
إذ لا يمكن النظر إلى المعبد باعتباره مجرد مبنى من الحجارة والخشب، لكنه في الحقيقة كيان روحاني من مادة لشيء روحي، تأتي قدسيته من قدسية ما يمثله من جوهر ثقافي رواحاني، واللوحة الفنية ليست في عدد الألوان فيها وإنما في ما تمثله من إنعكاس روحي يخاطب القلب والعاطفة التي هي بالأساس أشياء روحية عميقة لا يمكن حصرها في مادة ملموسة كاليد واللون والورق، ولا يمكن أن تكون من أصل حيواني .
والأهم من ذلك الصفات الوحشية الأخرى التي تميز الإنسان عن سائر المخلوقات، مبدأ التضحية الوحشية التي سلكها الإنسان لوقت طويل من الزمن والتي كتبت تاريخه وحياته بشكل يتنافى مع نظرية أصله المزعومة.
مثلا في بعض الحضارات كانت تقدم القرابين والتضحيات البشرية وتشق بطون الضحايا أحياء وتنتزع قلوبهم، واخرى تقذف الأطفال في حفرة من نار لاستنزال المطر، وغير ذلك من الممارسات الكهنوتية(التي حرمها الإسلام)،وهي عبادات متوحشة وجنونية نابعة من حقيقة احتياج الإنسان لقوة خارجية تساعده في البقاء، وذلك لا يمكن أن يندرج تحت وصف حيواني وحشي، حيث لا توجد هذه الطباع والأفعال في الحيوان.
فالحيوان قائم على مبدأ المصلحة الاقتصادية فيما الدين الإنساني قائم على أساس التضحية كشكل من أشكال التدين وهو -سلوك إنساني حصرا- ناهيك عن التضحية بجزء من الجسد مثل قطع الأصابع أو جدع الأنف، وهذه الممارسات لا توجد سوى في الإنسان ولا علاقة لها بالتطور المزعوم.
ما يدعو للتأمل حقا، كيف كان الإنسان البدائي يتحضر للصيد والطقوس الخاصة من رقص وتمتمات، وربما صلاة وصيام، وربما قرابين وهدايا لإله ما..الخ؛ فيما الحيوان، يدرس تضاريس الأرض ومنطقة الصيد، وشكل وحجم الفريسة، ويضع خطة صيد محكمة وينطلق ببساطة للانقضاض على فريسته، دون الحاجة لطقوس ولاعبادات ولا قرابين ولا رقص وغناء .. وكذلك هي صفاته وآلية حياته منذ الأزل وإلى الان.
كل ذلك ينفي حقيقة أصل الإنسان الحيواني، ولا يمكن توصيفه بأنه حيوان فقط، بل إنسان له كيان روحي مميز عن أي حيوان، وليس في الإسلام تلك النظرة المادية التي يتحدث عنها الماديون باعتبار الإنسان قردا تطور إلى آلة بيلوجية متطورة وتتطور مع الزمن، لكنه ينظر إليه كإنسان ذو أصل إنساني متميز، إنسان له روح وقدرة على المعرفة، وهي ذاتها التي انتجت المادة الملموسة كالفن والموسيقى وغيرها.
- قراءة في الفصل الثاني من كتاب الإسلام بين الشرق والغرب ل. علي عزت بيجوفيتش ضمن فريق R89 اصبوحة180. - ايهاب الشرفي
- المقالات
- حوارات
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً