بات من الواضح ان تداعيات الانهيار الاقتصادي الكارثي والمتسارع في اليمن، أشد هولاً من الحرب نفسها المستمرة منذ سبعة أعوام، ما يستدعي الوقوف العاجل من قبل المجتمع الدولي لتفادي ذلك، وإبراز هذا الملف الى الواجهة كأحد أهم المسؤوليات الملحة للتعامل معها.
ومع الانقسام القائم في السياسة النقدية والمالية منذ قرار نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء الى عدن في 2016م، والتفاوت الكبير في أسعار الصرف بين مناطق سيطرة الحكومة وجماعة الحوثي، مع غياب سلطة نقدية موحدة، يضع العبء الكبير على التجار والمواطنين في المقام الأول.
هذا المأزق المترافق مع الشلل والانكماش الاقتصادي وازدهار اقتصاد الحرب، على حساب الاقتصاد الحقيقي، وازدواجية السلطات الجمركية والضريبية، وما يتحمله المواطن من أسعار مضاعفة ومهولة مع التضخم الكبير والمتصاعد، يؤدي بالضرورة الى تنامي المحفزات لمزيد من الاضطرابات الاجتماعية، والتي تعقد فرص أي حل سياسي.
المثير للانتباه ان كل التقارير الأممية تحذر من خطورة الوضع الاقتصادي وما يمكن ان يؤدي اليه استمرار انخفاض قيمة الريال اليمني وارتفاع الأسعار في تفاقم حالة الجوع في اليمن التي يواجه فيها نحو 16.2 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي هذا العام، لكن الملاحظ ان الملف الاقتصادي في جولات الوساطات والنقاشات الأممية والدولية مع اطراف الصراع غائب تماما عن المشهد.
لذلك وبعيدا عن استعراض الأرقام الكارثية للوضع الاقتصادي والمعيشي القائم في اليمن، والمعروفة للجميع، فان الواجب يقتضي ان ندق جرس انذار أخير امام كل من يهمهم أمر اليمن، ان مخاطر انتشار الجوع والمجاعة أشد كارثية من رصاص ونيران الحرب، وانفلات الوضع ينذر بمخاطر لا يمكن التنبؤ بما ستمضي اليه.
واطرح هنا، نداء ودعوة ومبادرة لإنقاذ الاقتصاد ووضع المواطن اليمني المعيشي قبل أي حديث عن وقف الحرب، وذلك يبدأ من قيادة الجهود الأممية والدولية وتركيزها على الملف الاقتصادي والوصول الى صيغة توافقية عاجلة لتوحيد السياسة النقدية والمالية وتحييد الاقتصاد تماما عن الحرب، واي طرف يرفض ذلك فهو عدو للشعب اليمني.
لم يعد هناك متسع او رفاهية في الوقت للقيام بهذه الخطوة، فكل يوم يمضي دون إيجاد حلول عاجلة لإنقاذ الاقتصاد اليمني وكبح جماح تدهور سعر صرف العملة الوطنية، فانها تنذر بكوارث وخيمة والدخول الى مستنقع حرب أهلية وحاضن للارهاب والتطرف، ما يؤثر على الامن والاستقرار الإقليمي والدولي.
هناك كثير من المشتركات التي يمكن طرحها في إيجاد مبادرة عاجلة لإنقاذ الاقتصاد اليمني يتوافق عليها اطراف الصراع، وانا على ثقة ان شركاء اليمن بما فيهم الاشقاء في دول الخليج والأصدقاء الدوليين سيولون هذه المبادرة الاهتمام اللازم، باعتبارها مصلحة مشتركة للجميع وليس الشعب اليمني فقط، والمطلوب ان يضم رجال الاعمال والقطاع الخاص واتحادات الغرف التجارية أصواتهم الى صوتنا للمطالبة الفورية بالاتجاه نحو حل الملف الاقتصادي بشكل سريع، ولياخذ الملف السياسي والعسكري المدى الذي يحتاجه.
ونحن على استعداد كامل للجلوس مع المبعوثين الاممي والامريكي، وبمشاركة حقيقية من رجال الاعمال والغرف التجارية، بعيدا عن الانحياز السياسي او تاييد احد طرفي الصراع، لتداول الأفكار والرؤى لصياغة المبادرة ومناقشتها والحصول على دعم دولي لها، لكن اكرر انه ليس لدينا رفاهية من الوقت للتحرك في هذا الجانب.
- المقالات
- حوارات
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً