خالد حسين محمد اليماني
وعود بايدن بشأن اليمن .. تفاؤل ممزوج بالواقعية..!!
الساعة 08:01 مساءاً
خالد حسين محمد اليماني

بقلم: خالد حسين اليماني*
أُقر بأنني كنت مخطئًا حينما اكدت في 18 ديسمبر 2020 أن كارثة اليمن لن تكون من بين الأولويات القصوى لأول مائة يوم من رئاسة جو بايدن .. فعلى الرغم من أن إدارة بايدن تواجه العديد من القضايا الملحة محليا ودوليا، إلا أن العديد من التصريحات خلال جلسة الاستماع في الكونغرس للموافقة على ترشيح الوزير توني بلينكين وتلك التي صدرت عن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، أعربت عن اهتمام متزايد بإنهاء الحرب في اليمن وتأثيرها الإقليمي.
 
ولدهشتي السارة، فقد كثفت الإدارة الامريكية جهودها من خلال التأكيد بشكل قاطع على أن الحرب في اليمن "يجب أن تنتهي" ، كما جاء على لسان الرئيس بايدن في خطابه في 4 فبراير في وزارة الخارجية .. فقد وصف بايدن الحرب في اليمن باعتبارها "حرب خلفت كارثة إنسانية واستراتيجية" .. فالوضع اليمني كارثة تتكشف بشكل غير مسبوق في حجمها ومداها.

ويعد تعيين السفير تيم ليندركينغ مبعوثًا خاصًا للولايات المتحدة إلى اليمن الخطوة الصحيحة نحو تنسيق جهود الولايات المتحدة داخليًا و خارجيًا مع الحلفاء لإنهاء الحرب ومعالجة تأثيرها الإنساني وتجنب المجاعة التي باتت تلوح في الأفق .. ويأتي تفويض السفير ليندركينغ في إطار خطاب الرئيس بايدن بعنوان ”عودة أمريكا" حيث أعاد الرئيس الامريكي التأكيد على عودة الدبلوماسية الأمريكية بكل ما تحتويه من قيم عزيزة مثل الحرية وحقوق الإنسان وسيادة القانون و احترام كرامة الإنسان و الفرص المتكافئة.

وعلاوة على ذلك ، فقد شدد الرئيس على دعم الولايات المتحدة للمبادرة التي تقودها الأمم المتحدة لفرض وقف لإطلاق النار ، و فتح الممرات الإنسانية ، و و العودة الى محادثات السلام المتوقفة منذ فترة طويلة، من خلال العمل مع مبعوث الأمم المتحدة و جميع أطراف النزاع للدفع باتجاه التوصل الى حل دبلوماسي.

وهذه هي المرة لأولى في تاريخ الصراع اليمني التي تعرض فيه الإدارة الأمريكية علنا ​​رؤيتها لإنهاء حرب اليمن.  فبالنسبة للعديد من الخبراء في هذا الموضوع، بمن فيهم أنا ، تمثل دعوة بايدن فرصة فريدة - فرصة يجب ألا تفوتها أطراف النزاع و حلفاؤهم بعد ست سنوات من الحرب التي تهدد بشكل متزايد هذا الصراع بجر اليمن و المنطقة إلى المزيد من عدم الاستقرار الدائم والمحن.
 
لقد بينت الحرب الطويلة في اليمن أن النوايا الحسنة لا تكفي لتغيير قساوة الواقع - و اتفاق الحديدة هو المثل الصارخ على ذلك.  لقد حاول مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (UNSC) إدارة الازمة اليمنية عبر العديد من المقاربات المختلفة ، ومع ذلك، فشل في تحمل مسؤولياته المنصوص عليها في ميثاق الامم المتحدة في "الحفاظ على السلم والأمن الدوليين". وخلال السنوات الست الماضية، حاول آخرون الخروج عن العملية التي تقودها الأمم المتحدة، لكن الرئيس بايدن أصر على أن الدبلوماسية الأمريكية ستقود جهود مجلس الأمن الدولي لإنهاء الحرب في اليمن.

من الجيد توفر النوايا الحسنة لـ "إنهاء الحرب" ، لكن النوايا الحسنة ليست سوى بداية صغيرة، فالتعقيدات في مرحلة التنفيذ الاستراتيجية تتجاوز بشكل كبير النوايا الحسنة. و يجب على المرء أن ينظر فقط إلى الصومال الدولة المجاورة لليمن كمثال على مدى صعوبة عملية السلام حينما يستنزف اقتصاد الحرب وأمراء الحرب كل مقدرات الدولة.

ستوجه الدبلوماسية الأمريكية - من خلال جهود السفير ليندركينغ في الملف اليمني، وجهود المبعوث الأمريكي الخاص روب مالي في إيران - كافة الجهود الدولية لنزع فتيل التوترات الإقليمية بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران .. ومع ذلك، يحتاج المبعوثان إلى تنسيق جهودهما من أجل عدم إرسال رسائل خاطئة إلى الأطراف على الأرض .. فالتطورات الأخيرة بشأن شطب المتمردين الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية لم تكن خطوة موفقة.

وعلاوة على ذلك ، فانني أخشى أن التركيز فقط على الجانب الإقليمي للأزمة اليمنية يمكن أن يدفع اليمن إلى صراع منخفض التوتر وحرب منسية.  حيث مازالت الأطراف المتنازعة على الارض تصر على نهج صفري ضيق للغاية ينطلق في محصلته من تحقيق النصر الكامل وهي ليست مستعدة بعد للانخراط في تسوية سياسية - وهذا الحال ينطبق بشكل خاص على الحوثيين.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية ، بحثت المملكة العربية السعودية عن بدائل قابلة للتطبيق لضمان أن نهاية الحرب سترسخ السلام و الأمن في حدودها الجنوبية و دولة اليمن المجاورة، بما يضمن إبعاد إيران عما تعتبره مجال نفوذها الحيوي. فكل  المحاولات السعودية للتحدث مع الحوثيين أجهضت لأن الكلمة الأخيرة كانت ومارالت لطهران. و يعد التفاوض باستخدام الطائرات بدون طيار و الهجمات الصاروخية أكثر مهارات التفاوض التي يتقنها وكلاء إيران ..  وعلى الرغم من أن خطاب بايدن يتحدث عن إنهاء كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في حرب اليمن - بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة - فمن المهم ملاحظة أن الرياض قد قدمت مساهمة كبيرة في كسر التوسعية الإيرانية في المنطقة، وهو أمر أساسي في جهود السلام الأمريكية الأخيرة.

وليس لدى السفير ليندركينغ وصفة جاهزة - ولا يوجد اصلا حلا سريعا للأزمة في اليمن .. فالتعقيدات اليمنية ناتجة عن ست سنوات من الحرب وأربع سنوات من الانتقال السياسي من الديكتاتورية التي استمرت لأكثر من ثلاثة وثلاثين عامًا في السلطة .. بالإضافة إلى ذلك، و على مدى عقود غرقت اليمن في حروب أهلية و انقلابات و ثأرات قبلية. فهناك الصراع بين الشمال والجنوب قبل إعادة توحيد اليمن في 1990.. وصولا الى  الصعود المطرد والخطير للحوثيين، الذين شكلوا تحديا وجوديا للدولة اليمنية منذ عام 2003 ، و اعتقد ان  السفير ليندركينغ سيحاول إدارة تأثيرات الاطراف المتعددة على اليمن، الا ان الحل الدائم في البلاد سيقع في نهاية المطاف في يد الشعب اليمني ، الذي يمكنه إما أن يختار إنهاء الحرب اليوم بدعم من المجتمع الدولي أو استمرار المذابح لعشر سنوات أخرى.

ومن الجدير بالذكر أن السفير ليندركينغ ليس مفوضًا لمعالجة جميع طبقات الأزمة التي طال أمدها في اليمن والتي تراكمت خلال الستين عامًا الماضية من تاريخها ، والتي تستدعي المعجزات .. وسيتعين على المبعوث الأمريكي التركيز على التفويض الأساسي للرئيس بايدن المتمثل  في إنهاء حرب اليمن، وفي سبيل ذلك يشكل  "الإعلان المشترك" للمبعوث الخاص للأمين العام لليمن مارتن غريفيثس وهو وثيقة تم التفاوض عليها بشكل شامل خلال الأشهر العشرة الماضية.
 
بإلقاء نظرة على المعضلة اليمنية، فمن جهة يقوم أمراء الحرب الحوثيون بتوسيع مناطق سيطرتهم من خلال القمع وسياسة القبضة الحديدية .. في غضون ذلك، تواجه المناطق المحررة تشظيا متزايدا في السلطة. فهناك عدد متزايد من الفاعلين اليمنيين على الأرض الذين يسيطرون بشكل فضفاض على ما كان يمثل 75 في المائة من الاراضي المحررة، فهناك قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن والمناطق المحيطة بها، و "حراس الجمهورية" في الساحل الغربي، و تشكيلات مليشياوية أخرى في تعز و قوات الحكومة اليمنية .. ومن هنا فانه من الضروري ان يستكمل التحالف الذي تقوده السعودية التزاماته لتعزيز موقف الحكومة الشرعية، بما في ذلك دمج قوات المجلس الانتقالي الجنوبي والساحل الغربي والتشكيلات غير النظامية الأخرى تحت قيادة وسيطرة الجهاز العسكري للدولة اليمنية.

كانت الرياض المحطة الأولى للسفير ليندركينغ في المنطقة في 10 فبراير، حيث التقى بقيادة التحالف والحكومة.  وسيعقب ذلك لقاءات مع الحوثيين في مسقط والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي في نيويورك.  يجب أن تكون هذه المحطة الأخيرة هي الخطوة الدولية الأكثر أهمية في عودة الروح الى الدبلوماسية المتعددة بين للولايات المتحدة الامريكية في الأمم المتحدة، لأنها ستسمح للولايات المتحدة بالعمل مع الأعضاء الدائمين لاستعادة ما كان ذات يوم رسالة موحدة وقوية للمجلس بشأن اليمن وعودة الدور المهم لروسيا،  خاصة مع إيران والحوثيين.

 الطريق صعب أمامنا خاصة في التعامل مع الحوثيين، فهم لا يثقون في أي شيء يأتي من الولايات المتحدة ، البلد الذي يلعنونه يوميا في شعاراتهم الحربية باعتباره العدو الرئيسي بالاشتراك مع إسرائيل والسعودية .. انها مهمة صعبة للسفير ليندركينغ  ستحمله فوق امواج هائجة .. ويبقى السؤال، هل ستفي إدارة بايدن بوعودها في اليمن؟  هل سيعيد ”السلام الأمريكي“  أخيرًا بعض الأمل إلى أرواح اليمنيين اليائسة؟  سؤالان مهمان سيحددان مسار الأحداث في السنوات القليلة المقبلة.


**وزير الخارجية اليمني الاسبق - مندوب اليمن الاسبق لدى الامم المتحدة.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص