بقلم: د. ناصر بامخرمة
وسط التطورات المتسارعة تتزاحم الآراء وتتوه الرؤية، التي تتطلب نقاشها بصورة مسؤولة، بعيداً عن التسطيح أو الشطح، كما هي قصة إجراءات رئيس الوزراء الدكتور معين عبدالملك تجاه بعض الوزراء، كوزير النقل صالح الجبواني، وكذلك ما يُثار حول استقالة وزير آخر من باب التضامن والاحتجاج.
بداية وقبل كل شيء، يجب التوضيح أن لا أحد ينكر وجود العديد من الإخفاقات والقصور في أداء الحكومة الشرعية، ومن المعيب الدفاع عن أي أخطاء، لكن السكوت عما يحصل من قبل البعض لتمييع الحقائق، مشكلة حقيقية لا تعالج الأزمة، بل تزيد من تشويش الرؤية في هذا الظرف العصيب الذي يمر به اليمن.
ومع الإقرار أيضاً، بعدم الاطلاع الكامل حول تفاصيل وملابسات التباينات داخل الحكومة التي برزت من مرات لأخرى، إلا أن هناك من المعطيات التي يعلمها الجميع، ما يجعلنا نميز الخطأ من الصواب، ويضعنا في مسؤولية توضيحها للناس.
لقد مرت شهور طويلة، ونحن نتابع تصريحات وزير النقل صالح الجبواني وآخرين، ممن لا نكن لهم على المستوى الشخصي إلا كل ود، لكن المسؤولية تقتضي المصارحة: هل من مصلحة أي حكومة في أيّ من دول العالم، أن يخرج وزير من وزرائها، بمواقف وتصريحات لا تعبر عن توجهات رئيس الدولة وسياسات الحكومة ككل، بل وتعارض التوجه الرسمي للبلاد؟.
في كل الحكومات يكون هناك ناطق رسمي، يحدد أغلب المواقف المتعلقة بالوزارات، وخصوصاً في الظروف الحساسة التي تتطلب حساسية وحصافة مضاعفة، حتى لا يستفيد الخصوم من أي ثغرات قد تتحول إلى أزمة يدفع ثمنها البلد واقتصاده وأمنه.
وشخصياً، كنت معجباً ببعض المواقف والتصريحات التي أطلقها بعض الوزراء كالوزير الجبواني، لكن التطورات أتت بما يخيب الآمال، فكيف نتصور مثلاً أن يذهب وزير في الحكومة إلى دولة مثل تركيا لها علاقات متوترة مع تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية التي تستضيف رئيس الجمهورية ويربطها ما لا يحصى من ملفات العلاقة المصيرية بين البلدين.
وكيف تسقط جبهات، كما حدث في نهم صنعاء وحتى الجوف، ولم نجد استقالة وزير واحد، أما شديد الغرابة عندما يأتي وزير وكأننا نسمع عنه لأول مرة، يقدم الاستقالة ويتحدث عن “سياسات عقيمة” ينتهجها رئيس الوزراء د. معين عبدالملك، تماشياً مع الحملة التي تحاول التقرب من متضررين من قرارات اتخذها رئيس الحكومة الشهور الماضية تتعلق بكسر احتكار توفير المشتقات، والمؤسف ان تنبع مواقف فاصلة بناء على مصالح ذاتية وعلاقات شخصية، والمؤسف اكثر ان هذه المواقف والتصريحات تجد من يطبل لها ويصفق.
وزير آخر، بينما كانت تسقط نهم وتتقدم المليشيات الحوثية لتهديد مأرب، وبدلاً عن أن يعود إلى الداخل لممارسة مهامه بتأمين المدن، كان الإجراء الذي قام به، هو افتتاح مركز إصدار آلي للجوازات في دولة شقيقة لا يوجد فيها جالية يمنية تستحق فرع جوازات خاص بها، بل الصادم انها تستضيف بشكل شبه دائم وفود الحوثي وقيادات بحركته، وسيكون هؤلاء هم المستفيد من هكذا مركز، ومع هذا لايزال هذا الوزير بطلا في نظر مفسبكين عديدين بعضهم يضع صورته الشخصية بصفحاتهم، ولن نتطرق هنا عن مصير الاعتمادات المليارية التي كان يستلمها شهريا ولم يفعل بها شيء لا للشرعية ولا للمناطق المحررة ولا حتى لعدن!.
ومبدأياً، من حق أي سياسي أن يكون له موقفه، الذي يعبر فيه عن معارضته للحكومة أو حتى للتحالف، لكن ما يفهمه أي مسؤول في العادة أن المنصب يتطلب أول ما يتطلب الالتزام بسياسات حكومية لا محاولة صنع بطولات يغتر بها بعض العوام.
كل ذلك، بالإضافة إلى أن أي حكومة عادة ما تحمل اسم رئيسها، ومن حقه أن يختار طاقمه الوزاري فيها، كما هو حال الدكتور معين عبدالملك بالتنسيق مع رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي الذي يدعم وبقوة التصحيحات التي يقوم بها رئيس الوزراء وإن حاول البعض تصوير أنه راض عن وزراء خرجوا عن المهام الادارية الموكلة إليهم وتفرغوا إلى تسجيل مواقف نعلم جميعاً أن من يحتفل بها هو المليشيات وعواصم إقليمية تصفي خصومتها مع دول التحالف على حساب القضايا اليمنية المصيرية.
وبعيداً عن الخوض في مزيد من التفاصيل، لا يحتاج المتابع المدقق إلى الكثير، ليدرك أن اليمن وفي ظل المحنة التي يعيشها يحتاج إلى من هم على قدر من المسؤولية وفهم التحديات، وإن أحد أهم الأخطاء التي وقعت فيها الشرعية كانت محدودية التغييرات التي ترافقت مع تعيين رئيس الوزراء الحالي، بحيث أن الطبيعي هو أن الحكومة تحمل اسمه، فما بالنا إذا كان وزراء في هذه الحكومة تحولوا إلى بائعي تصريحات لخدمة أطراف إقليمية معروفة بدعمها الحوثي، ضمناً أو علناً.
خسرنا نهم والجوف، واقتربت مجاميع الحوثي من مأرب، وسلطة الانقلاب تكرس انفصالا عمليا بمنع العملة الجديدة، علاوة على مخاطر كورونا الذي أقعد سكان العالم في بيوتهم، مع هذا تجد من ينسى واجباته ويتحول الى بطل من ورق، وتجد للأسف الشديد، من يهلل له. لا بل ومازالوا يتساءلون لماذا نتراجع ونخسر ونحن أصحاب حق وطني ودعم دولي؟!.
- المقالات
- حوارات
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً