كتب / نبيل الصباحي
أن تقدم منفردا على غزو عش الدبابير الذي تهيّبَ صناديدٌ – وعلى مدى عقود – عن الاقتراب من منطقته، ليس ذاك بفيلم تتفاعل مع أحداثه دون أن تصيبك إحدى شظايا الأكشن في مغامراته .. ولا هو برواية تقرأ تفاصيلها وأنت في سلام منها، وهدأة وقت، وحالة روقان مستمعا بتقليب فصول أحداثها.
محاربة الفساد شعار لطالما سمعنا جعجعة له فيما لم نشاهد أي آثار لطحينه .. حتى جاءت وحصحصت لحظة الحقيقة واختبار النوايا والأقوال في محك الواقع والأفعال.
وحينما تقض الأفعال مضاجع وأوكار الفاسدين بكل تأكيد سيبدأوا حربهم الشعواء التي كان يتجنبها الكثير حتى من المتهورين، ناهيك عن المتحمسين والعقلاء الذين آثروا السلامة على المغامرة، خصوصا حينما يمتلك الفاسدون السلطة والقرار والمكانة الرفيعة والعلاقات العميقة مع أعلى سلطات البلاد، حينها تكون مواجهتهم أشد صعوبة وخطرا.
لهذا كله رأينا كيف تجذر الفساد ليصبح غولا أكبر من الاحتواء والمواجهة، وأضحى كيانا يتلبس الدولة أحيانا، بل ويفوقها عمقا وجبروتا وقوة في أحيان كثيرة.
يدرك رئيس الحكومة الدكتور معين عبدالملك، أن لا وقت ولا فرصة في ظل كل الاحداث التي يمر بها الوطن، والمعاناة التي يتجرعها المواطن، كي يؤجل معركة الوطن المصيرية مع الفساد الذي نخر الوطن ذاته وعمق جراح المواطن بشدة بالغة، وصورة سوبر دراماتيكية مأساوية، حتى بات الفساد قاعدة وثقافة، وفقد الناس الأمل في كون النزاهة شيئا يمكن استرداده من براثن الفاسدين الذين جعلوها استثناء.
ومنذ أن دشن الدكتور معين حملته القوية ضد الفساد في الملف الأبرز والأكبر والأخطر، بكسر احتكار استيراد وتخزين وتوزيع المشتقات النفطية، وما تلاها من خطوات لتعزيز الشفافية في هذا الملف وغيره، حتى استشعر الفاسدون بالخطر الداهم الذي لم يجرؤ أحد من قبل على مجابهتهم فيه، فضلا عن المواجهة المباشرة في ميدانهم الذي لم يخوضوا فيه من قبل أدنى معركة، فكيف بهم اليوم وهم يتلقون فيه هذه الهزائم التي يرون فيها المواطن بجانب حكومته تواقا لرؤية وطنه خال من هوامير الفساد وأمراء الأزمات والحروب الاقتصادية التي لا مستفيد من عائداتها سوى جلادي الشعب الذين يخرجون منتصرين مع كل الأنظمة والعهود السابقة لحكام البلد، وخصوصا مع النظام السابق الذي مكن للفاسدين في طول سلطة الدولة وعرضها.
وكما هو متوقع تظافرت وتلاقت مصالح الفاسدين حينما شعروا بالخطر فجندوا أدواتهم الظاهرة والخفية، في دولتهم العميقة، وفي كل ارجاء الجغرافيا، التي وصلت اليها سلطاتهم وتكالبت كل تلك الادوات التي نشأت على مدار عقود من الزمن كي تشن أقذر وأقوى هجوم منظم على شخص الدكتور معين عبدالملك، فيما لم يتسلح الأخير سوى بضمير الشعب وتوجيهات فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية الذي وضع فيه ثقته
وبالدافعية الوطنية، والمهمة التاريخية التي يدرك تماما انه بصددها، في هذا الوقت الدقيق والحساس الذي يمر به المواطن والوطن.
حملة أقل ما يقال عنها أنها بالغة الشراسة تلك التي يواجهها رئيس الوزراء، من بعض أوجهها تشويه الصورة وبث الشائعات وتأليب الرأي العام والرسمي، وحتى استخدام اللوبيات التي تشترى بالمال المتحصل من دم ولحم المواطن اليمني، لمحاربة انعتاقه من براثن الفساد، الذي أصبح دولة داخل دولة للتحريض ضد رئيس الوزراء، حتى عند البعثات الدبلوماسية والشخصيات السياسية الدولية ومراكز القرار.
وعموما نقول: الغاية بطبيعة الحال تبرر الوسيلة عند أساطين الفساد طالما وقد امتلكوا المراكز السياسية والأموال الطائلة التي يستطيعون بها شراء الضمائر والقرارات، وتوظيف المنابر الاعلامية، ومواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، عبر جنود وذباب مأجورين، بلغ بهم الجهل لمحاربة وطنهم ومواطنيهم بمجرد انحيازهم لتلك الشخصيات الانتهازية، القادرة على دفع أجرة الارتزاق بمختلف العملات المفضلة لأية أبواق مؤثرة.لكن في النهاية هي معركة كينونة لوطن أنهكه الفساد أكثر مما أنهكته الحروب ، وحتى إن طالت حرب اليمنيين المقدسة ضد الفساد فهي بلا شك تتطلب الوعي بخطر ظاهرة الفساد التي أسست أصلا لكل هذا لدمار والحروب والمصالح الضيقة لأساطينها في هذا البلد الذي لم يعد يحتمل المزيد.
- المقالات
- حوارات
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً