خليل العمري
لقد أصبحت الثورة في اليمن ضرورة إنسانية ملحة ، هكذا رأت الطبيبة الفرنسية كلوديا فاين مؤلفة كتاب "كنت طبيبة في اليمن"والتي قضت وقتاً صعباً وشاهدت الأهوال في بلدنا بعد إستقدامها لتكون طبيبة في قصر عائلة الإمام. طبيبة أوروبية يستقدمها الطاغية الهاشمي للإهتمام بعائلته وسلالته، بينما الشعب اليمني تداويه دراويش الإمامة بالطلاسم و "العزائم" وغمغمات المشعوذين!!
لم تكن الأمراض وحدها هي من تفتك بالشعب اليمني الأصيل، بل كانت سيول القتل والظلم والخوف والدمار والمجاعة لا تكاد تتوقف من جرف اليمنيين وإفنائهم عبر العصور الهاشمية الظلامية.
ولا تتكاد تتسع الكتب التاريخية لحصر مجازر الأئمة بحق الشعب اليمني ، تتحدث المرويات التاريخية عن عشرات الحروب بل مئاتها التي خاضها الإماميون ضد القبائل اليمنية الحميرية التي لم تستكين لمحاولات تدجينهم باسم الله والولاية وعلي والحسين.
ومع طول بقاء الإمامة على أرض التبابعة وإخمادها لكل محاولات الثورات التحررية لاستعادة مجد سبأ وحمير، وصل الأمر بالطاغية المتوكل أحمد ، إلى أنه كان يخبأ مذياعه في كومة من الخرق ليقول للناس إن الجن تتحدث إليه وأنه ملك عليهم وأنهم جنوده المجنده ينقلون إليه الأخبار ويحمون كرسيه من الأعداء والأشرار.
ومن شدة استغفال اليمنيين الذين أغلق عليهم أبواب المدن والحدود الجغرافية ، وبعد التطور التكنولوجي والثورة الرقمية وبعد سنوات من وصول الإنسان إلى سطح القمر كان الطاغية أحمد بن يحيى حميد الدين يقول للناس إن الأرض معلقة على قرن ثور وأن الإحتكام للقانون وللدستور جريمة دينية وكفر بواح .
لقد كانت الثورة ضد الطغاة من المتوكليين الهاشميين والتي كانت بداية شرارتها في العام 1948م وتكللت بالنصر الحميري المؤزر في سبتمبر 1962م هي أعظم ثورة إنسانية على الإطلاق ، إذ أنها كانت ثورة على مفاهيم باطلة عملوا على تقديسها طوال عقود ، وكانوا يعتبرون أن حكمهم مرتبط بالله، وأن حكم اليمن حق إلهي لهم، و لذا حاكموا بعض الثوار ضد نظام حكمهم وحكموا عليهم بالموت لأنهم خالفوا من أمرهم الله بتوليه، وأطلقوا عليهم وصف "الزنادقة" و"الكفار".
قبل أعوام قليلة، تحديداً منذ حروب صعدة الستة، حاولت الإمامة الهاشمية العودة ، لكنها تكسرت مفاصلها على جبروت شعب أبي وصفه مطهر الإرياني في حارس البن بقوله:
شعب كامل..شعب لكن بشعبين
شعب كادح مكافح مقاتل
شعب يقضي به الدين
من يعادي اليمن يبشر بكسر المفاصل
ويذوق الأمرين
الوطن والكرامة يفتديها المواطن
بالقلوب ذي يدقين
نمر اليوم باللحظات الأخيرة لإنكسار المد الإمامي الثيوقراطي، ومخطيء من يصف الوضع بأن الإمامة عادت ، الإمامة لم تعد ولن تعود، في صعدة وحدها خمس جبهات من اليمانيين الجبارين الذين يكنسونها في الجبال والسواحل. يوم 26 سبتمبر لم يكن يوماً عادياً فقط ولا عابراً للأيام وإنما تدشين مرحلة جديدة من التاريخ اليمني المعاصر ، تاريخ طوى عهود الخرافات والقطرنة والهاشمية الإجرامية .
- المقالات
- حوارات
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً