إيهاب الشرفي

فوجئنا مساء اليوم الثلاثاء 24 إبريل 2018م بنباء إصابة الناشطة الإنسانية والحقوقية ، الزميلة "صفاء هزاع" بطلق ناري اخترق جسدها الصغير دون رحمة ولا مراعة لدورها الإجتماعي والإنساني في مدينة تعز ، ونقلها الى مستشفى البريهي واجراء عدة عمليات جراحية لها جراء الإصابة ، واخبرنا الأطباء ان حالتها خطيرة وان هناك أضرار كبيرة في معدتها وامعاها وكبدها واشياء لا اتذكرها .

لم تكن "صفاء" تحمل على كتفها بندقية ولا تحمل في يديها قنبلة او لغما أرضي ، كما انها لا تحمل في قلبها بغضاء ولا كرها لأي من أطراف النزاع في مدينة تعز ، كل ما حملته الزميلة "صفاء هزاع" قلم و ورقة وهاتف للتواصل مع الحالات الإنسانية والفعاليات الخيرية ، تسعى بقلمها وقرطاسها إلى تحقيق اللحمة المجتمعية وإعانة ذي حاجة من مرض او فقر ، تطعم المسكين وتأوي الفقير وتجير الضعيف في حياته ، هذه هي صفاء ولا تستحق ما حدث لها .

عرفتها دائمة الابتسامة ، رقيقة القلب ، طيبة الطباع ، خلوقة مؤدبة ، اخر همها المال ، وأوله تحقيق السعادة لمن لا سعادة لهم من ذوي الاحتياجات الخاصة والفقراء والمساكين والنازحين من جور الحرب و أسر الشهداء والجرحى و أولئك الذين لا عائل لهم ولا مصدرا يروي ضمائهم ويشبع جوعهم ، فقد سخرت لذالك كل جهدها، رغم هزالة جسدها وصغر سنها .

هذه الصبية الصغيرة بجسدها وعمرها حين تخرج من منزلها ، لا تخرج للتنزه او قضاء وقتها في اللهو واللعب كما يفعل قريناتها في هذا العمر، بل تخرج ممتشقة سيف الرحمة والإنسانية ، تغزو منزلا يوشك على الهلاك فتعمر أركانه وتشد عود ساكنيه ، كما فعلت يوم أمس حين فاجئتني باتصال هاتفي انها في الحي الذي اقطنة ، وتطلب مني الحضور وبشكل فوري ، لم انزعج من ذالك قط رغم عروج روحي في قدسية القات ، لبيت النداء واذ بها تعاتب رجل لم يمضي على وجوده في هذا الحي اكثر من شهر ، تخبرني وكلها انكسار ان السيدة "كفاح" جارتي تعاني من أمراض شتى وزوجها أسوء من ذالك بكثير ، ولا عائل لهم ، توشك ان تبكي صفاء من حال تلك الأسرة ،  فقررنا مساعدتهم بالامكانيات المتاحة .

اخبرتني صفاء في مساء ذات اليوم ، ان فاعل خير قرر ان يتكفل بإجراء عملية جراحية لرب الاسرة ، تخبرني بذالك وكلها سعادة وفرح ، وكأن رسول الله يبشرها بالجنة ، هي سعيدة لانها تمكنت من إسعاد تلك الاسرة ، تخبرني بذالك والسعادة تملئ قلبها ويفيض من عبير حروفها الشوق لليوم التالي الذي ترى فيه رب الأسرة وقد عاد يخطو بقدميه ، والأسرة قد ملئت مطبخها دقيق وزيت .

نعم ، أتذكر يوم التقينا وتعرفت بها ، ورأيت قدرتها الصريحة في التعبير وقول الحقيقية أمام كل الوجوه ، شدني ذالك لمعرفتها أكثر ، فطلبت منها العمل لدي براتب مجزي ، اخبرتني والابتسامة تسبق منطوقها ، أن اخر همها المال والراتب وكل ما يتعلق بهذا الجانب ، اخبرتني إن كان العمل في الجانب الخيري ، في مساعدة المحتاجين ، فهي لن تتردد مطلقا ، وستعمل مجانا في ذالك ، شريطة ان لا يذكر اسمها في أي وسيلة إعلامية حتى لا يفسر عملها بالتصنع والشهرة ، كما اخبرتني انها تسعى لإرضاء الله فقط .

عرفتها غير كل النسوة التي عرفت ، طموحها السلام وجل امانيها الوئام وذروة سنام احلامها وطنا خالي من القتل والدمار ، واتعجب من الأقدار كيف لها ان تخطئ مئات المدنسين بدماء الخلق ، لترسل رصاصة الإجرام إلى أحشاء الصبية التي حملت كل صفات الإنسانية  ،  وكيف لذالك المجرم الذي تجراء دونما احساس ، وتجرد من كل الصفات البشرية والأخلاقية ، أن يغرق الأرض بدمها الطاهر ، وحاول ازهاق روحا معلقة عليها ألف روح .

لن أنسى مواقفها الإنسانية ما حييت ، وسأخبر العالم من تكون صفاء ، ولن انسى يوم انها الحت إلا ان تسأل عن حال تلك العجوز الواقفة في ركن شارع جمال ، لنكتشف ان صاحب المنزل قرر طردها واطفالها لعدم تمكنها من دفع ايجار عام ونصف ، فحملت عنها هموها وتكفلت صفاء بتفريج كربة تلك العجوز ، ولم يمضي يومنا حتى اتمت الصفقة الرابحة مع الله .

قد لا تكون حروفي هذة كافية للتعريف بالإنسانة صفاء هزاع ، وقد لا اكون اوفيت حقها بالشكر ، كما أنه لا يمكنني ذالك ، فتعجز حروفي عن التعبير حين أكون في ذروة حزني وخوفي ، فقط لتعذريني صفاء عن هذا القصور ، فقط قومي يا صديقتي فلم يحن موتك بعد ، قومي فهناك الألف الضحايا بانتظار مساعدتك ، ومئات الخيرين ينتظرون ان تشقي الطريق أمامهم لفعل الخير ، افيقي يا وردة تعز فالأمان لم يتحقق بعد و كفاح لم تعالج بعد و زهور لم يدفع دينها ايضا ، قومي فأمامك رحلة طويلة من الحياة لتعيشي تفاصيلها .
شفاك الله عاجل غير آجل ، واعاد اليك تلك البسمة والنشاط كما عهدناه منك .