في البدء كان الشعب موحدا في ذلك الحوار عبر ممثليه ، وكانت النتائج والمخرجات بحجم التحديات ، ومن ذلك تأسيس دولة اتحادية ، وعقد اجتماعي جديد ينطلق عبره الشعب إلى مستقبل لا غلبة فيه ولا سلطة أو كلمة إلا للنظام والقانون الذي يتساوى في ظله الكبير والصغير ، وصاحب السلطة والمواطن البسيط ، وحتى صاحب السلطة في ظل القانون إنما هو موظف لصالح الشعب ، لا جلادا ضد الشعب ، يخضع لتقييم ومراقبة سلطات الشعب الأخرى خلال فترة زمنية محددة ، ويستبدل بعدها بمن يرتضيه الشعب وفق ذلك النظام والقانون والعقد الاجتماعي الجديد ( الدستور ) .
بناء على كل هذه المعطيات عملت حكومة بن دغر على تكريس النظام والقانون كمرجعية تختصر المسافات بين نقطة الهدف الذي جاءت من أجله كحكومة تثبت أركان دولة بعد تحريرها من دمار وفوضى وانقلاب ، وبين مركزها ومكان تواجدها وحدود نفوذها، كسلطة تنفيذية تحتكم هي نفسها للقانون الذي تجهد من أجل إنفاذه كمرجعية تنظم حياة الناس ، وتنظم ايضا حركتها ونشاطها .
فنجحت كدولة في اختبار الانجازات على الارض ، يسندها في ذلك ما لمسه ويلمسه المواطن من تغيّرات انعكست في التحسن الملحوظ في مستوى ما يجده من خدمات افتقد بعضها أو كلها قبل وأثناء وبعد الحرب في ٢٠١٥، وفي مشاريع تحركت عجلتها ، وحركة مدنية استأنفت نشاطها ، وفي حركة تجارية انتعشت بسبب أمن توفر ، ودولة حضرت ، ومدارس فتحت ، وكتبا وصلت إلى يد الطلاب ، ومعلمين استلموا مرتبات بجانب كل الموظفين في المدن والمناطق المحررة ، وحركة مرورية عادت للانسياب في الشوارع بأمان ، وشوارع أجريت لها أعمال الصيانة والتوسيع ومد الإنشاءات الخدمية تحت مجرى المركبات فيها ، وتشجير الشوارع ، وانطلاق معايش الناس التي تعتمد في عالم اليوم واللحظة على الطاقة الكهربائية وسد العجز في الطلب المتزايد عليها بصورة طبيعية ، فكيف بها وقد أضحت عدن اليوم على سبيل المثال عاصمة ، وملاذا للنازحين من مناطق بطش الميليشيا ؟.
كما تم تشغيل المحاكم وأجهزة السلطة القضائية - ( الملاذ الآمن والمختصر والمنظِّم لعلاقات أفراد المجتمع ، والفاصل في النزاعات بينهم ) - خدمة للشعب الذي تاق لحضور الدولة بعد تجريب الميليشيا والعصابات - قسرا - حكم هذا الشعب الكريم المتسامح الذي سبق وأن اختار الحلم والصفح عن أفراد وقيادات تلك العصابات والميليشيا ، لتعود تلك التشكيلات الإجرامية وتغدر به ، وتذقه صنوف العذاب مرة أخرى ولكن بصورة أبشع لم يسبق لها مثيل هذه المرة !!
فتحت الجامعات ابوابها مع عهد الدولة الجديدة التي أسس أنوية خلاياها دولة الدكتور بن دغر نواة نواة ، صبرا وتفان وإتقان وعمل دؤوب لا يوقفه تثبيط ، ولا يثنيه تعويق ، أو ييئسه جهل ، بل كان والدا حنونا حانيا للجميع ، قلبه على اليمن ، وإخلاصه وولاؤه لله ثم لقيادة البلد التي وضعت فيه ثقتها وللوطن الذي يفني عمره في سبيل بنيانه ورفعة شأنه واضطراد تقدمه، والذي يعلم انه لن يتحقق الهدف المنشود في البناء والانجاز إلا بالعمل، والعمل الشاق - ايضا- ، والإخلاص بجانب التفاني، لتعويض ما فات ، للحاق بركب الأمم والشعوب التي انطلقت نهضتها كالعنقاء من وسط الركام ،وبنت أوطانها ، بحجم همة رجالها ، وإيمان مخلصيها ، ووفاء مواطنيها ، فزاحمت بين الأمم ، وتقاسمت الخير مع شعوب الأرض التي بارك الله في مساعي كل من يبني فيها ، لمستقبل وطنه ، ومستقبل أجيال الغد بخطى واثقة ، تستجدي العون من الله فتجده ، ثم من شعبها الذي تجند نفسها لخدمته ، في سبيل رفاهيته ورغد معيشته .
في المقابل هناك من يهدم ، وفي المقابل هناك عصابات وميليشيات تحارب كل ذلك ، وتحارب الشعب أجمع من أجل مصالح آنية ضيقة ، وشهوة مال وسلطة ، وتجردت من كل القيم والاخلاق ، واختارت الفساد كأقصر طريق تدوس فيه على كل الانجازات ، غير عابئة بالوطن والشعب الذي ترفع شعاراته ، وتسمع جعجعتها ولا ترى غير غبار سلاحها المصوب نحو نحور خيرة شباب الوطن ، ونحو كل من اعترض طريقها ، فدمرت كل شيء أمامها ، وهدمت كل بناء لا تطوله ، ولم تترك في الوطن حجرا على حجر إلا وأتت بنيانه من القواعد حتى سوت به الأرض .
فهاهي ميليشيا الانقلاب والارهاب في صنعاء تطوي عامها الثالث ، وتقترب من عامها الرابع على التوالي وهي تعبث وتقتل وتفجر وتنهب كل مقدرات الشعب العامة والخاصة ، حتى بات الوطن يعيش في أسوأ ظروف عرفتها البشرية في العصر الحديث معاناة وحاجة وفقرا ومرضا وقهرا وحرمانا حتى من أبسط حقوق الحياة، فضلا عن الحياة الكريمة أو الرفاه !!
في عدن إذن اليوم دولة ، لم تنشأ من ذاتها صدفة ، بل بسواعد مخلصين .. في حين .. في صنعاء ميليشيا دمرت كل مظهر للحياة ، ولا سبيل للمقارنة حتى ما بين الشيء ونقيضه ، كون ما قد طاله التدمير هناك تخطى المقارنة إلى نشر العدم ، باستثناء الجهل والامراض الفتاكة والحياة التي تشبه العدم ، وهي مقارنة لعمري تبدو غير سوية ، كون المقارنة - أصلا - المتعارف عليها أنها بين شيئين نقيضين ، لا بين شيء وعدم !!!
في عدن اليوم سواعد تبني ، ودولة تقوم بواجبها ، وتنصف الناس .. وفي صنعاء سواعد على الزناد ، وبالمرصاد إن سمعت عصابات الموت التابعة لإيران أي صوت للشعب يتنفس ، فلا يوجد خدمات ولا حياة ولا حركة طبيعية للناس فضلا عن إبقائها لأي قنوات وبنى تحتية لتلك الخدمات .
كل شيء في صنعاء مدمر ، حيث هناك صمت لا يشبهه إلا صمت القبور ، باستثناء آهات المعاناة الخافتة .. فمايزال زلزال الميليشيا نشطا ، وما تزال تلك الوجوه الكالحة القادمة من خلف التاريخ تحكم وتتحكم في شعب يموت هناك ، وماتزال تجرعه السم كل يوم ، أملا منها في أن يرحل شعب بأكمله ، هدمت جميع بيته فوق رأسه ، لتعيش تلك الميليشيا الرهيبة على أنقاض روحه، وأطلال الحجر .
- المقالات
- حوارات
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً