توفيق علي
عندما تنكّر الكثرين لرفاق دربهم، ولخيرة وأصدق مناضلي الوطن الكبير، باعتبارهم "كادحين" لا يرتجى منهم منفعة، احتفظ المناضل والسياسي اللبيب الدكتور أحمد عبيد بن دغر بقدر كبير من الوفاء قل نظيره في هذا الزمان الصعب . ورغم مشاغله إلا أن رئيس الوزراء الذي بدا لي متواضعا جدًا في تعامله ومعيشته ومسكنه، أفرد لي وقتًا طويلاً قضيته مع رئيس الحكومة الذي أشهد أنه يعمل ليل نهار لأجل اليمن وعدن (على وجه التحديد) بإخلاص وتفانٍ نادرين.
في مقر إقامته البسيط، وجدت رجلا مسؤولاً متواضعاً مسكون بهم وطن .. الوطن في صورته الكبيرة، عندما استمات البعض لتقزيمه واختزاله في منصب أو منطقة أو قبيلة في تحجيم يعكس حالة الصغر النفسي الأناني الذي هوى بالكثرين إلى درك سحيق .. استقبلني بحضنٍ حانٍ لم أعهده، ورحب بي ترحيب أب فارق نجله الصغير في غياهب غيابة الجب عند مفترق وطن يغط في مجاهيل حروب الأخوة الأعداء على دروب المطامع الأنانية . قال لي: حبًا لوالدك، اعتبرني أنا والدك! . وبينما كنا نتناول طعام الغداء على الأرض مع جملة مرافقيه وحراسته وعمال مكتبه، بتواضع غير معهود، أردف قائلاً: والدك رجل انحاز للبسطاء والفقراء ضمن قلائل في وطن سعى مع الكثير من رفاقه للملمة شتاته بصدق وإخلاص نادرين . ثم ما لبث أن شردت عينيه بعيدًا وكأني به يستذكر بمعيته لحظات ثورية صاخبة تخضبت بالعرق والدماء لتثبيت الثورة والجمهورية والوحدة الوطنية في مراحل نضالية صعبة أنتجت لنا وطن واحدية ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين. ثم أحنا رأسه المثقل وتمتم بحنوٍ شفيف: رحم الله شاعر القضية ووثائر الوطن.
عندما تجلس مع هذا الرجل، تشعر منذ الوهلة الأولى أنك تعرفه منذ وقت طويل أو أنه صديق حميم لك التقيته ذات عصرية باهية الأصيل بعد غياب .. بخلقه الرفيع يذيب من أمامك جبال هواجس فارق السن .. فارق المعرفة .. وفارق المنصب! . ليسمح لك بقول ما لديك في صمت وسمت الكبار الذين يسمعون أكثر مما يقولون ويحتويك بألفته ووفاءه الكبيرين. شعرت بحالة تجلي وبحنو ملأ وجداني الذي أحاله النأي والنكران لصحار قاحلة، وأدركت أن الدنيا ما تزال ولادة بالرجال الأوفياء وإن تنكر السواد الأعظم لخيرة أبناء هذا الوطن ولثواره الصادقين الشرفاء..
وبروح المسؤولية المتقدة التي يتحلى بها الفلاح الأصيل، بدا لي الدكتور بن دغر مهموماً بشكل واضح باحتياجات المحافظات المستعادة وعدن ، على وجه التحديد، واليمن في صورته الكبيرة، وخصوصاً منها جوانب الكهرباء والأمن والخدمات وإعادة الإعمار وصرف المرتبات والتعليم .. قال عن هذا؛ إن حكومته تواصل الليل بالنهار لأجل توفير كل هذه المتطلبات الملحة بالتوازي مع توفير متطلبات قوات الجيش الوطني في حربه ضد مليشيات الحوثي في ظل شحة كبيرة للموارد .. ظهر الرجل مؤمناً بفكرة يد تقاتل لاستعادة الدولة، ويد تبني ..
وفي حالة تشبه إلى حدٍ بعيد حالة رجل الحرب النبيل المثقل بتداعياتها في لحظة تمني بتوقفها مع بسالة ترفض الإنحناء، بدا واضحاً من خلال حديثه أنه يتمنى الإسراع في إنهاء الحرب بعد استعادة الدولة، وقفاً ينهي الحرب وأسبابها ولا يؤجلها والتفرغ بشكل تام لبناء الدولة الإتحادية التي تنتصر لكل مظلوم وكل ذي حاجة حال طغيان السلطة من الإنتصاف لهم طوال العقود الطويلة الماضية !.
- المقالات
- حوارات
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً