أنا من ترون بهذه الصورة .. في تفاصيل وجهي، ألف ألف سطرٍ من بطولات و صمود وعزيمة .. وفي دهاليز قلبي ألف ألف حمامة تحمل الورد على ظهورها ملحنة بهديلها كل اناشيد الحب والوطن والسلام.
تركض أحلامي نحوكم بوطن جميل، تماماً كطفل يستقبل والده العائد من خلف البحر على اطراف القرية بعد سنين طوال .. هناك عند حدود المدينة المحاصرة وعلى خط النار بين الريح والبرد.
اعيش بطلا كما يراني الله .. واموت كذلك .. تاريخ ميلادي لم يحن موعده بعد كما ترون .. تاريخ ميلادي ستكتبه هذه البندقية، وسيحتفل به اجيال متعاقبة لا محالة.
لا يهمني اعلامكم ولا شاشاتكم .. أنا الفارس المجهول عنكم غير أني تعرفني كل ملائكة السماء .. بسيط ومكافح انا منذ لامست جبهتي هذه الارض الطيبة .. وحتى البارحة كنت لا ازال اردد المهاجل في عقر وادي قريتنا الفسيح .. ازرع الدخن و اسقي ماشيتي واغازل الجوالب بالصفير حينا والعُقاب حينا بالخديعة!.
اليوم ذاتها الإرض تشبثت برجولتي، لا الملازم او القبيلة!! .. وحدها الارض ترجتني أن أُنصفها والبُسطاء على سفحها يتجرعون عذابات الحصار والبارود اللئيم.
وكيف لا أجيب دعوتها وأنا رجل من تعز .. كيف لا أحمل بندقيتي وأنطلق كنمر جموح في شعابها وجبالها أُلبي داعي الله لنصرة الوطن والبؤساء فيه وانا منهم!! .. كيف أبقى صامتاً وأنا طُُهر هذه الأرض العتيقة ولحن السماء وعبير المشاقر الحزينة.
مثلي لا يخذل الوطن .. أنا إبن التراب لا أبوه .. إبن الطين، وروح الله تسري في جسدي منذ آدم وحتى القيامة .. كيف أبقى مكتوف الكرامة وأنا من نسل المليحة الصبورة البديعة «عُدينة».
كيف أظل ساكتاً وانا عش عصافير نسجته معاناة وطن وشعب لأجل هذه اللحظة التي نعيشها .. هنا الكنز تحت قدماي يا ابن وطني واللحظة اللحظة ها أنذا أذود عنه، ووحده الله سيدي ولا سيد لي سواه .. أن أعيش حـراً لا تنحني جبهتي الا له ذاك عز غايتي.
لا أُخفي عليكم .. تركت الدار وأم أطفالي توادعني من ركن دارنا وفي قلبها قهر وخوف وفي عينها ألف دمعة حزينة، ولسانها تدعوا لي والوطن بالنجاة.
طفلي الصغير وهو يطاردني يومها والذي تردد صدى صوته العالي المنتحب من جنبات جبل القرية وهو يتسائل «ايحين شترجع يا باه» لا زال يتكرر حتى اللحظة في أذناي.
لم ألتفت له ساعتها، لا اشتهي ان يرى الدموع في عيناي .. سأعود يا ولدي، وإن لم يكن سيعود الوطن فهو والدك الكبير.
- المقالات
- حوارات
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً