ايهاب الشرفي
السعودية في مواجهة مشروع التفتيت العربي
السبت 2 أغسطس 2025 الساعة 02:35

ايهاب الشرفي: 

 

يحاول الكيان الصهيوني منذ لحظته الاولى الإعتماد على سياسة التفتيت ضد الشعوب العربية -خاصة بعد كامب ديفد-، اذ نجح في تجميد حروبه مع محيطه العربي وتعزيز ترسانته العسكرية وتعميق تواجده في الاراضي المحتلة على مختلف الملفات والاصعدة، بما في ذلك المنظومة العلمية والمهنية والتكنولوجية .

في المقابل، اغرق ومعه عدد من اجهزة المخابرات الغربية، الدول العربية بجملة من المشاكل الإقتصادية والاثنية والطائفية، واستطاعوا مجتمعين النجاح -ولو جزئيا- في هذا المشروع حتى ابتعدت سوريا بعيدا الى الحضن الايراني، نتج عن ذلك حرب مدمرة استمرت الى اليوم.

 

كذلك ذهبت لبنان في جملة من الحروب والانقسامات الداخلية، وتحولت من عاصمة للمال الى اخرى للفساد والتخلف والتبعية الكلية ايضا ل ايران، في وقت تصول وتجول فيه الآلة العسكرية الإسرائيلية على طول عرض البلاد دون رادع، فيما اختفت مئة وخمسون الف صاروخ في ثلاثة ايام .. وبفعل الغزو الامريكي بفعل الضغط الإسرائيلي، تم تدمير العراق وجيشها، وفرض الانقسام الداخلي على اسس طائفي، ورهن الملف العراقي ايضا لصالح ايران، 

 

مصر الغارقة في الديون هي الاخرى محاطة من كل الاتجهات بتهديدات وجودية، من الجنوب السودان واثيوبيا، ومن الغرب ليبيا ، ومن الشمال البحر المتوسط وغزة وقبائل سيناء، والاتفاقيات الدولية من الشرق في البحر الاحمر، ومن الداخل فساد وشارع يغلي وانهيار في الاقتصاد .. الخ.

 

الاردن لا تختلف كثيرا عن بقية الدول العربية، بل اكثر من ذلك، اقتصاد هش ، وجيش متهالك، وضع داخلي قابل للانفجار في اي لحظة، وذلك نتيجة طبيعية للنشاط الاستخبارتي الغربي والاسرائلي في المنطقة عموما والاردن خصوصا.

 

كما نجحوا ايضا في تفتيت اليمن، وغرس وسقي شجرة الحوثي الخبيثة بمياه ايرانية قذرة لتهديد المنطقة وتشتيت الرؤية الاستراتيجية العربية ومواقفها الدولية ومصالح الأمة الكبيرة، وتحويل كل الضغط والقوة والجهود نحو مجابهة الجبهة الداخلية المصطنعة من تحالف غربي ايراني بإمتياز .

 

اما الحديث عن بقية الدول العربية، فكلا يغرد في سربه، راميا كل الاحمال والاثقال على المملكة العربية السعودية، التي وجدت نفسها وحيدة تصارع الاطماع وتُفشل المخططات في المنطقة، وتحاول الابقاء على الحد الاقصى للعرب على مختلف الملفات و الاصعدة محليا واقليميا ودوليا .

 

تحاول السعودية اعادة ضبط المنطقة، اذ دخلت حرب مدمرة ضد المشروع الإيراني وخطة التفتيت في اليمن، كما تحاول منذ الثمانينات رأب الصدع واستقرار الاوضاع في لبنان، وقدمت كل الحلول المالية والسياسية والاقتصادية، فضلا عن المحاولات المستمرة لاعادة العراق الى الحضن العربي وانهاء الانقسام ودعم الاقتصاد.. اضافة الى انقاذ البحرين بالقوة من السقوط في المعسكر الايراني والحرب الاهلية.

 

واليوم، دفعت بالملف السوري نحو الحل ورفع العقوبات ودعم الحكومة الجديدة وتعزيز الاستقرار امنيا واقتصاديا والشروع في اعادة الاعمار ؛ كذلك نجحت في الدفع نحو ايجاد دولة فلسطينية كاملة الاركان معترف بها من كامل المجتمع الدولي، بالتزامن مع ضغط مستمر لانهاء الحرب على غزة ورفع الحصار وايجاد الحلول المناسبة.

 

كما نجحت السعودية ايضا في انقاذ مصر وحافظت على مكانتها التاريخية، وكذا اقتصادها من الانهيار بمليارات الدولارات، بالتزامن مع محاولاتها المستمرة لحل الاوضاع في السودان وليبيا، وحتواء جملة الملفات العربية المفتوحة على مصراعيها .

تحاول السعودية الوقوف امام موجة التفتيت في الشرق الاوسط، ولملمة خيوط اللعبة، وسد الثغرات، والدفع بالحلول هنا وهناك، تارة بالمال والسلاح واخرى بالدبلوماسية والحلول السلمية.

اذ تمسك بالملف اللبناني والسوري واليمني والليبي والسوداني، وتحرص على عدم انهيار المنظومة في مصر وتونس والمغرب والاردن، تدافع عن الجزائر وتدعم الصومال وموريتانيا، وتتحمل القضية الفلسطينية على كاهلها جملة وتفصيلا، وتدافع عن المنظومة الخليجية بكل شراسة .

يمكن القول ان فشل خطة التفتيت والتقسيم او تأخرها على الاقل، يعود للموقف السعودي القوي فوق او تحت الطاولات، ولا يمكن التصدي لذلك المشروع الا بالوقوف الجاد وبكل الاشكال والطرق مع المملكة ورؤيتها الاستراتيجية الطموحة في المنطقة، ومن غير ذلك لا يوجد فرس رهان على الساحة في الوقت الراهن غير الفرس السعودية الاصيلة .

المقالات