عندما يتحول المجتمع إلى مجموعة من الانفعالات العاطفية وردود الفعل المبالغ فيها، فإن هناك أسباب جوهرية ينبغي الخوض فيها والعمل على معالجتها قبل ان تتوالد وتتكاثر وتصبح عصية عن الحل مستقبلا.
فالكبت السياسي وتقيد الحريات الفكرية بجملة من السياسات الإدارية والحزبية والضيقة، تولد عدد مهول من التعددية الفكرية المتنافرة، وتشتت الأهداف الجمعية للجتمع، بما في ذلك القضية النضالية التي يكافح من اجلها .
فالشعور الجمعي بالجمود السياسي والفعل الثوري المنبثق عن العمل المؤسسي المتعارض مع تطلعات وآمال المجتمع، ينعكس بالضرورة على التصرفات العاطفية وردود الفعل المبالغ فيها تجاه اي قضية مهما صغر حجمها او تأثيرها..
فالمجتمع يبحث عن أي انتصار يرضي به ذاته ويسترد من خلاله كرامته المهدورة بين فرقاء الصراع، حتى وان كان ذلك عبر مشاغبات إعلامية يعبر فيها المجتمع عن اعتراضه او سخطه تجاه اي قضية او فعل سوقي كان او اعلى بقليل.
ففي حين يأس المجتمع من تجاهل اعتراضه والتعبير عن رفضه تجاه مختلف القضايا والملفات السياسية والعسكرية التي تهدد مصيره ومستقبل الأجيال القادمة، اصبح ينتظر اي فعل اقل شأنا من تلك الملفات المعقدة للتعبير عن وجوده وعن رغبته في الصراخ والرفض.
وذلك ما يتجلى من خلال الترندات التي تعصف بالجمهور اليمني من اقصاه إلى اقصاه، تارة باسم الدين و(البخيتي - المومري - الشويع - مش غلط) واخرى باسم الفن والثقافة، متغافلين كلياً عن القضايا الرئيسية التي ينبغي ان ينشغل بها المجتمع.
ابسط مثالا على ذلك، لم تعد اخبار الهدنة أو التوافقات السياسة أو العسكرية، أو الوفود والتحركات الدولية والأممية تجاه الملف اليمني، وما سينتج عنها وما الاهداف منها ! .. و كيف سيكون مصير البلاد والعباد بعدها؟! .. وماهو وضع الجمهورية والوحدة الوطنية ؟!
لم يعد احد يهتم بما فعلوا وعن ماذا اتفقوا، أو الى ماذا سينتهون، إلا القلة القليلة الضائعة بين اكوام الترهات والانفعالات العاطفية.. لم يعد مغرياً الحديث عن تحركات المليشيات لتغير الهوية الوطنية، والتجذر في مفاصل الدولة والمجتمع، وتأسيس نظام عنصري طائفي كهنوتي .. لم تعد كل تلك التصرفات السياسية او العسكرية من الجميع مهمة ..
كل ذلك الكبت والتجاهل واليأس من سماع صوت الجمهور، تحول الى فوضى ثقافية وفكرية، إلى تخبط وتخبط مضاد، إلى ماهو ابعد من ذلك، إلى ثمالة جمعية تنتهي بصورة او اغنية او تصرف فردي من احدهم .. إلى انفجار إعلامي يرضي غرور الجمهور ويشفي اوجاعهم المتفاقمة ..
- ايهاب الشرفي