- ايهاب الشرفي:
مشكلة اليمن في الآونة الاخيرة تكمن في الانفصال المجتمعي والنخبوي عن الواقع، عنما يدور على الأرض، عن الحقائق والمفاهيم في اروقة الساسة ودهاليز الفاعلين، عنما يحاك لمستقبل هذا الوطن المغلوب على امره..
تتصفح السوشال ميديا لساعات وساعات يوميا، ونادرا ما تجد أحدهم يتطرق للجانب السياسي والعسكري والأمن القومي للبلاد، وكذا للاوضاع الإنسانية والمشاكل الحقيقية التي تواجه حاضر ومستقبل الوطن، بحقائق مجردة وطرح موضوعي جاد دون تحيز او تنطع، وبحس وطني خالص يخالطه شعور بالقلق على مستقبل الأجيال ومرادفات التاريخ .. وان وجد واشك في وجوده، ستجده مهملا في هامش المتابعة والاثارة الإعلامية الجدلية التي يحضى به غيره الجدليين.
واصبحت وسائل التواصل الاجتماعي حلبة للصراع الفكري والطائفي والحزبي والديني واحيانا والثقافي والاجتماعي .. واكثر من ذلك انحطاط وانفصال عن الواقع، فبركة الاحداث وتجميل القبيح وبيع الوهم ونشر المغالطات وتعميق جذور الفتنة والعنصرية والانشقاق..
حتى وسائل الصحافة الالكترونية التي يفترض بها توعية الشارع وتثقيف الجمهور والتحذير من هذا الحدث وذلك السيناريو، وتحليل الواقع واستشراف المستقبل، اصبحت مصدر ازعاج وقلل ومصدر للسطحية والتسطيح ؛ اذ لا تتجاوز اكثر من كونها وسائل نقل خبرية غير مهنية ومنحازة لطرف ما، تلمعه وتجمله وتنال من خصومه واعدائه.
ولربما وجدت وسيلة واحدة بين كل 100 وسيلة اعلامية لديها نوعا من المهنية والتحليل المنطقي والعمل الصحفي الحقيقي؛ الا انها تضيع في بحار من التزييف والتضليل والتسطيح الممنهج .. وربما لا تخلو من الانحياز السياسي الضيق وان كان ذلك بشكل اقل وضوحا عن غيرها الا انه وبالنهاية يتم تطيفها واختزالها في وجهة نظر حزبية او مناطقية او ربما غير موثوقة.
و أولئك ما يطلق عليهم -النخبة- الذين يفترض بهم قيادة الرأي العام والتأثير عليه وتوعيته وان يكونوا مصادر ومرجعيات يخشى منهم، اصبحوا ايضا ادوات هدم فكري وثقافي ممنهجة، ومصدر ازعاج ومشاغبة الكترونية تزيد من فصل المجمتع عن واقعه وحياته ومستقبل البلاد والشعب .. ولعلي هنا استثني عدد قليل من النخبة في مسألة الهدم الفكري والثقافي، لكني ايضا لا استطيع القول عنهم عكس ذلك تماما .
والمصيبة الكبرى ان هذه الفئة -النخبة- صارت مصدر رديف لنقل الاخبار الآنية وربما في احيان تحليلها آنياً دون التطرق الى الابعاد والخلفيات والآثار المترتبة عليه مستقبلا، وهو ما يعد كارثة حقيقية تساهم بشكل فعال في تعميق فصل المجتمع عن الواقع..
وهو ما انعكس على افعال وممارسات المجتمع في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، من مسابقات شعرية يشترط فيها عدم التطرق الى الجانب السياسي والعسكري والأمني، والجدليات الالحادية والدينية، وكذا الفعاليات الثقافية والفنية والموسيقية، وجدليات ملابس فلان ومنشور فلانة .. الخ من المواضيع المنفصلة عن الواقع السياسي والعسكري ..
واذا لم يصحوا الجميع من غيبوبة الانفصال هذه، ويعود الجميع الى المساهمة في صياغة الواقع ورسم المستقبل، فلا يستغرب احدا بعد ذلك اذا ما صحى يوما وقد صارت اليمن إلى يمنين أو ثلاثة؛ أو لربما على جوع شامل او ملكية جبرية، او حرب مناطقية قبلية اثنية، أو هجرة قسرية الى شتات الجبال او رمال الصحراء او اكثر من ذلك خطورة ووحشية ..