محمود الهجري
ان تكون من المشتغلين بالإعلام وانت تعيش في صنعاء فبئس القدر السيئ الذي القى بك في غياهب هذه المهنة في ظل سلطة انقلابية تنتهج التخوين وتحترف القتل والاختطاف ونهب المال العام. تفسر صمتك خيانة، وان تحدثت اوكتبت منشورا مرتعشا وخجولا تبوح فيه عن بعض اتعابك والامك، تتعامل تلك المليشيا معه باعتباره تحريضا، وبسهولة تصنفك طابورا خامسا . الساعة السادسة والنصف صباحا صعدت باص النقل الجماعي، وكانت وجهتي عدن اصطحبت معي جواز السفر وورقة حجز على طيران اليمنية ..
الخوف سيد الموقف، ونقاط التفتيش تطرز الخط والباص يتوقف بين الفينة والاخرى، وعند كل توقف يصعد شخص يطلب ابراز الهوية ، قد يكون مبعث الخوف افتقاد عناصر المليشيا لمنطق يمكن من خلاله تسوية اي لبس قد يحدث، وربما بسبب النتائج الكارثية المتوقعة التي قد تترتب عن اي احتجاز، فالتهم جاهزة واية رسالة او منشور في احدى مجموعات الواتس اب قد تقود الى سجن وعذاب طويل. صنعاء غدت مدينة كسولة ومتثائبة ..سكانها يرزحون تحت اكوام (الحوثي، صالح) ، والفقر الذي التهم ابتسامات الاطفال والامن من عيون امهاتهم ،والياس الذي يحيط بهم من كل الاتجاهات. فالحوثي رهين (عصر الظهور) ومنشغل بصراع بني امية وبني هاشم ، وحق البطنين والولاية واحزان كربلاء ، غير مكترث باحزان امهات الاطفال الذين يحشدهم الى محارق الموت في الجبهات دفاعا عن حق ال البيت. الموظفون بلا مرتبات و(عبده النبي) غارق في سرد كرامات وامجاد ال البيت .. الناس يطردون من مساكنهم لعدم مقدرتهم على تسديد الايجارات، واصحابه يفتتحون محلات صرافة .. الاطفال يتضورون جوعا ومشرفيه يغزون مطاعم الشيباني واسواق القات ( العال ).
الصرخة سلاحه الاخرق والغبي لمواجهة كل شيئ ، عندما يصرخ الناس الما يواجههم بالصرخة ، وحين يقولون منطقا يصوب نحوهم الصرخة .. غياب الماء والكهرباء والتعليم والصحة والغذاء والامن والمرتب يملاه بفراغ الصرخة .. انه الجنون الذي يعجز الواقعون تحت طائلته عن ايجاد طريقة تخنق الصرخة في حناجر هذا القوم المعتوه.
وامام تلك المشاهد الغرائبية نشعر بخراب كبير يتسلل الى ارواحنا ، كم نحن بحاجة الى جهد لاعادة ترميمها. يحتشد ( صالح ) ويتكتك لاشهر طويلة ليعيد انتاج مسرحياته بحشد مؤيدين الى السبعين، ليقنع نفسه قبل غيره بانه لايزال موجودا، يسخر من انصاره الذين يستخدمهم لمرة واحدة ، ليعودون يجرجرون خيباتهم ومرارة مكره تلسع صدورهم ..
لم يدركوا بعد حقيقة هذا المخادع الذي كان السبب الرئيس في ايصال البلاد الى ماوصلت اليه .. انه لايفكر باحد ، ولا يكترث لامر احد ، وطنه لايتجاوز حدود مانهبه وجمعه طيلة عقود حكمه. وصلت عدن بعد رحلة طويلة، وكانت هي تلك المدينة الجميلة التي تستوعب الجميع، وبمجرد جولة سريعة انقشعت تلك الصورة المشوهة التي يروج لها طرفي الانقلاب.
من محاسن الصدف انني حضرت الاحتفال الذي نظمته وزارة الثقافة والسلطة المحلية بمحافظة عدن بمناسبة الذكرى ال 55 لثورة 26 سبتمبر وقد شدتني كلمة الدكتور احمد عبيد بن دغر رئيس الوزراء بما تضمنته من مفردات خطاب وطني ومسؤول من الطراز الرفيع شعرت على المستوى الشخصي بالطمأنينة ، وبان الوطن مايزال يكتنز مقومات النهوض ولملمة حالة الشتات العابرة ، بفضل هذا الشخص وامثاله من حملة المشروع الوطني والحضاري. بن دغر يتحدث عن وطن كبير وعن امة تستحق الحياة، عن بلد امن، ومستقبل يشبع حاجات الناس ويحقق طموحاتهم وتطلعاتهم ..
خطاب وتوجه خال من الانانية، ويرسم خارطة المستقبل المنشود المكلل بقيم العدل والحرية والكرامة. وللامانة فالدكتور احمد عبيد بن دغر محل اجماع كل اليمنيين الذين يعقدون عليه امالهم ويصفونه برجل الدولة الصادق فتحية حب وتقدير لدولته.