بقلم: نبيل الصباحي
من الطبيعي أن تتوفر لأي حكومة في العالم عوامل شتى منطقية، ميدانية ومادية، لتقوم بعملها بانسيابية وانسجام وفقا للإمكانيات المتاحة .. في حين أيضا؛ ليس من المعقول والمنتظر ان يؤدي غياب كل ذلك مجتمعا إلى انتظار المعجزات، فذلك ضرب من الجنون والمستحيل الذي لايمكن لاي صاحب عقل حتى تصوره في واقع أي سلطة تنفيذية في هذا الكون .
وفق ما سبق لابد للقارئ الكريم أن يتابع بقية السطور التالية بتجرد وإنصاف، وفي ظل الأحداث والتحولات التي شهدها الجميع في وقت قريب، ولا داعي فيها لأي لخيال بعيدا عن التاريخ والجغرافيا التي ماتزال توثق الافعال وتتجاوز الأقوال ، مع الإدراك الحصيف ان ما نرجوه من المتابع الكريم هو ان يستعد لتذكر واستحضار وتعداد شبكة الألغام والفخاخ التي تسير في حقلها حكومة انتظرها الشعب بكل فئاته طويلا ، وصبر على ولادتها كي تنجز الاستحقاقات الإدارية والاقتصادية والبنيوية والمؤسساتية والخدمية والسياسية والقانونية في الوطن بعيدا عن فوضى الميليشيا الانقلابيةزفي شمال الوطن ، والفوضى الأمنية والإدارية في جنوب الوطن مع غياب الحكومة.
وفي حين كانت الدولة مشلولة، ومعاملات الناس ومصالحهم تقبع في ثلاجة الجمود لحين عودة وطن اشتاق إليه الجميع بعد مغامرات ارتهان وانقلاب مصيري خطير دشنته ميليشيا الحوثي الانقلابية التي ارتهنت بالكامل لإيران، ورهنت معها كل قرارها ومصيرها ومصير بلد وشعب تحت رحمة إرهاب سلاحها الذي لا يعرف الرحمة بتاتا.. ولدت الحكومة الجديدة المعول عليها، والمعلقة بها الكثير من الآمال مهامها في آخر بضع ايام تبقت من العام الماضي 2020 بعد مداولات شاقة للتوافق والتوفيق بين فرقاء سياسيين وميدانيين تحقق لرئيس الحكومة تحت رعاية رئيس الجمهورية ومن معهما من جنود الجمهورية وداعمي استقرار البلد النجاح المبهر المشهود الذي لم يشهد ضجيجا اعلاميا مستحقا رغم مشقة المشاورات التي سبقته فتسارعت وتيرة التحرك من أجل تعويض المواطنين اليمنيين الذين يئنون جراء غياب حكومتهم الوقت الطويل الضائع الذين كانوا فيه ينتظرون بفارغ الصبر وصولها لأرض الوطن.
لكن .. والجميع يعلم ما حدث بعد ذلك .. فالحكومة التي تحمل التفاؤل والانفراجة لكل اليمنيين في ربوع الوطن الحبيب قابلها الذين اختطفوا العاصمة صنعاء، أعداء الله واليمن واليمنيين عودة حكومة كل اليمنيين في العاصمة المؤقتة عدن بهجوم إرهابي وبصواريخ موت باليستية خطيرة طويلة المدى منذ لحظات الوصول الأولى للحكومة الوليدة في أرض الوطن بمطار عدن الدولي ، فسلم الله ونجي أعضاء الحكومة من خطة الموت الحوثية الخبيثة لتبدأ في ذات اللحظات نشاطها بتدشين رئيس الوزراإ الدكتور معين عبدالملك زياراته المسؤولة وتفقده جرحى ومصابي ذاك الهجوم الإرهابي الفظيع، ومن ثم تشكيل لجنة تحقيق مختصة، ليلحق في اليوم التالي تقييم الاضرار وتفعيل العمل المؤسسي والقانوني والميداني والخدمي للسلطات التنفيذية في العاصمة المؤقتة عدن بما يشمل تحسين وتجويد ورفع كفاءة كل ما يحتاج لدفع حكومي في بيئة عدن الجغرافية والسياسية والادارية على كل الاصعدة الامنية والصحية والاقتصادية وغيرها بما يحقق للمواطن المصلحة الأولى التي من أجلها شدد وتشدد كل من رئيس الجمهورية في توجيهاته ورئيس الوزراء في تحركاته.
لحق ذلك المتابعة الحثيثة - وبإصرار - من قبل رئيس الحكومة ومعه طاقمه ومنذ الاسبوع الاول له وحكومته في أرض الوطن بعد أدائهم اليمين الدستورية أمام فخامة رئيس الجمهورية لكل المواضيع والمشاريع والمعاملات المعلقة وخصوصا تلك المتعلقة بالمرتبات التي تم صرفها مباشرة وفق جدولة الموارد والسيولة في كل من البنك المركزي وقبله وزارة المالية بما في ذلك مستحقات (وجه اليمن المشرق ومستقبله الألق): "الطلاب المبتعثون في الخارج".
في غضون ذلك كان على طاولة رئيس الوزراء العديد من الملفات الشائكة في المجال الاقتصادي خصوصا والسياسي الذي واجه فيه الاشكاليات الخارجية المتعلقة بالقضية اليمنية والتي تتجاوز الوزارات المعنية باعتباره رئيس السلطة التنفيذية ، لنسمع بعد ذلك ولأول مرة منذ بدء الحرب تنفيذ التصريحات الأممية وتدشين الأنشطة الميدانية للمنظمات التابعة للأمم المتحدة وغيرها من الجهات الدولية الإقليمية والدولية الإغاثية والحقوقية ونزولها الميداني وفتح ممثليات ومكاتب لها في العاصمة المؤقتة .
كما نفذ رئيس الوزراء زيارات ميدانية للعديد من الدوائر الخدمية في عدن لتلمس الاحتياجات وتذليل الصعوبات وحل الإشكاليات وتدشين استئناف الأنشطة والعمل في بعض الوحدات الخدمية الهامة، والاطلاع على احتياجات المؤسسات المتعثرة .
في ذات الوقت كان رئيس الوزراء وطاقمه يبحثون عن حلول مستدامة للعديد من التعقيدات العميقة والإشكاليات المتداخلة وتلك المتكررة المتعلقة بالشأن الخدمي الأساسي الأبرز كالكهرباء والمياه والمشتقات النفطية، وتشغيل المرافق الإيرادية ، واستئناف العمل في الأذرع الإيرادية، والأوعية المالية الرئيسية والثانوية، وشرايين الدولة الاقتصادية لتحسين الموارد التي تصب في صالح كل من الخدمات ومرتبات الموظفين الحكوميين .
وفي الحقيقة أن هذه الملفات الأخيرة الشائكة والمعقدة المرهقة لم يساعد الحكومة فيها كل من الرأي العام المحلي ورأس المال الوطني لمؤسسات القطاع الأهلي والخاص بالشكل الكافي الذي تستطيع الحكومة من خلاله ان تقدم المطلوب منها في ظل حرب ضروس تشنها الميليشيات الانقلابية ضد اليمنيين في كل مكان على كافة الاصعدة ميدانيا وعسكريا واقتصاديا وتتحكم بها الميليشيات الانقلابية لصالحها من صنعاء وعبر ادواتها المبثوثة في كل مكان ، ناهيك عن الهجوم والعرقلة المتعمدة لتدفق الايرادات في بعض الموانئ الاستراتيجية كما هو الحال في غرب البلاد ، متزامنة مع إحجام كبرى شركات النفط الاجنبية عن عودة انشطتها في قطاعات الامتياز التي كانت تشغلها بسبب الخشية من الهجمات الإرهابية الصاروخية ومعها هجمات مسيرات الطيران الحوثي الأيراني الذي تجاوز اليمن الى اراضي المملكة العربية السعودية الشقيقة كما هو معلوم.
إن حجم العراقيل والمعوقات التي وضعت في طريق هذه الحكومة التي تقاوم بشجاعة وبطولة استثنائية كل محاولات إفشالها ووأدها حية لهي أشبه بسير شجاع في حقل ألغام في ظل ظلام دامس لم يتلمس فيه الخطى بحذر؛ بل حقق قفزات سريعة مدهشة؛ في توقيت صعب؛ وبإمكانيات غاية في المحدودية صحيح ، لكن النتائج لا شك تشرحها الوقائع على الأرض لعل المقام لا يتسع لذكرها ولكن يكفي الإشارة إلى نجاحات يلمسها المواطن في ظل تواجد الحكومة في الميدان على أرض الوطن ؛ وحتى ورئيس الحكومة خارج الوطن ما تزال الحكومة ترسل همتها ومتابعتها التي يكفي الإشارة إلى نموذج واحد منها قريب وحاضر وكبير كالتوقيع على منحة سعودية مالية لصالح وقود كهرباء المناطق والمحافظات المحررة وعلى رأسها العاصمة المؤقتة عدن بمبلغ يقترب من نصف مليار دولار.