بقلم: شايف منصر
بعد سنوات من الغياب عن القيام بمهامه، كوزير للخدمة المدنية والتأمينات؛ قدم اليوم الأستاذ نبيل الفقيه استقالته لرئيس الجمهورية، مرجعًا ذلك إلى عدد من الانتقادات التي وجهها لرئيس الحكومة، من تعطيل الحكومة والانشغال بالجزئيات، كذلك قدم وزير النقل استقالته بعد أن قام رئيس الوزراء بإيقافه عن العمل.
من الواضح جدًا أن الاستقالات بعيدة كل البعد عن الأسباب التي ساقها الوزراء المستقيلين وأن الدوافع خلف الاستقالات هي صراع أعمق بكثير من الأخطاء والإخفاقات، كما أنها أعمق من الصراع بين رئيس الوزراء ورجل الأعمال العيسي، الذي تضرر من قرارات حكومة معين التي حررت عملية شراء النفط، وأجبرت العيسي على دفع الضرائب، الأمر الذي أعاد لخزينة الدولة قرابة مئتي مليار ريال سنويًا.
كثرت التحليلات التي ترى أن سبب استقالة الوزراء، في هذا التوقيت.
فهناك من اعتبرها مؤشر على التوصل لإتفاقات عملية حول تطبيق إتفاق الرياض، الأمر الذي جعل الوزراء يستبقون عملية تغييرهم بتقديم استقالتهم، وتسجيل موقفٍ، وإن كان لدى العامة فقط، بينما هناك من يرى ان الاستقالات أتت لإجبار الرئاسة على تغيير رئيس الوزراء معين عبدالملك من رأس الحكومة.
كل هذه تحليلات لها وجاهتها ولكني أعتقد أنها ليست هي السبب الحقيقي وراء الاستقالات، ولدي وجهة نظر أخرى.
لم تكن الاستقالات وليدة اللحظة، ولكنها نتيجة لتراكمات بدأت من قبل أحداث أغسطس ٢٠١٩ بين الانتقالي والشرعية، في عدن، على أثر هذه المواجهات خرج وزير النقل والداخلية، من عدن إلى الرياض ومنها إلى مسقط الحليف القوي للحوثي، وبدأ يتشكل في مسقط توجه جديد، يمثله كثير من الشخصيات السياسية والإعلامية، هذا التوجه أصبح يطرح أن عدونا الأول هو الانتقالي والإمارات، وليس الحوثي، وعمل بكل قوة لحرف البوصلة نحو هذا الاتجاه ولقد أصبح هذا التوجه يتطابق مع السياسة القطرية، بشكل واضح وأصبح كثير من أقطاب هذا التوجه -ومنهم وزراء في الشرعية- يظهرون على شاشة الجزيرة وهي القناة التي أصبحت تضاهي قناة المسيرة الحوثية في تبني خطابات الحوثي وتعمل ضد الشرعية.
ليس هذا فحسب بل أن الوزير صالح الجبواني ذهب إلى تركيا (حليف إيران وقطر ) لعقد اتفاقيات من تلقاء نفسه، وبشكل غير قانوني لتطوير المطارات والموانئ الأمر الذي اضطر الحكومة إلى التصريح بأن هذه الزيارة لا تمثل الحكومة.
استمر عمل جناح مسقط داخل الشرعية العمل على التشكيك بالتحالف وإحداث شرخ بين التحالف والشرعية، وأصبحت تصريحاتهم مادة إعلامية شبه يومية لقناة الجزيرة وأخواتها.
اليوم وتزامنًا مع سقوط نهم والجوف بيد الحوثي وحشد الحوثي لإسقاط مارب يتقدم الوزراء باستقالتهم محاولين إيهام المواطن أنها إعتراض على سياسات وممارسات رئيس الوزراء، ولكن الحقيقة أنها أتت تتويجًا لجهود جناح مسقط داخل الشرعية، وبتناغم مع تحركات الحوثي في الجوف ومارب.
لن أكون مبالغًا عندما أقول: لقد استطاعت قطر أن تحدث إختراقًا كبيرًا، في جدار الشرعية، اختراقًا وصل إلى خواص رئيس الجمهورية، وأكرر خواص رئيس الجمهورية، فكلنا يعرف أن رئيس الوزراء لم يكن له يد في اختيار أي وزير، وأن الرئيس هو صاحب الاختيار مما يعني أن الاستقالة لا تستهدف معين، ولن تؤثر عليه قدر استهداف شرعية الرئيس هادي،وإضعافه أمام التحالف، وخصوصًا السعودية والتي سمعنا مواقف مناهضة لها من قبل جناح مسقط ومنهم الوزير الجبواني.
إن إحداث قطر لهذا الإختراق للشرعية، وللرئيس شخصيًا؛ ينذر بخطر كبير يتهدد شرعيته، فالحوثي يقوض شرعية الرئيس على الأرض، ووزراء مسقط يقوضون شرعيته السياسية.