بقلم / خالد عليان
واحد انا من الناس الذين يتصفحون يوميا الأخبار ويتابعون تطور ومسار فيروس كورونا ( كوفيد 19 ) وبعين اعلامي أقرأ الاخبار والمنشورات والأرقام والإحصائيات وأحاول ان اغربل في زحمة المنشور والمنثور بين الواقعي والمبالغ ، بين الخبر من مصادره ومن مصانعه المختلفة .
سكنتني الكثير من النظريات والتحليلات هل نحن امام مؤامرة دولية او جائحة عالمية .
أحاول ان : اضع يداي على طرف خيط حقيقي للوباء ، اتابع كيف بدأ ؟ كيف انتشر ؟ كيف أصبح مرعبا للعالم ؟
كيف أضحت الدول تتخذ الاحترازات من انتشاره وتعجز أخرى عن إيقاف توسعه وتمدده ؟
وبين ذلك أحاول ان : اقيس قدرات الدول وامكانياتها في التعامل مع المشكلة ومواجهتها .
واخاف كثيرا من الواقع الكارثي لدول ما تزال تنفي وجود حالات على جغرافيتها وهي تكاد تنعدم فيها الخدمات الصحية والطب الوقائي والخبرة في التعامل مع الوبائيات .
في الواقع هناك دول لديها إمكانات وقدرات طورتها في سنوات من الاستقرار فهي صامدة قادرة على مواجهة الوباء وستصمد في الأيام القادمة وأخرى ليس بين يديها الا ان تطلب المساعدة حتى من البلد الذي ظلت تتفرج عليه وهو يواجه الوباء من البداية .
وثالثة : لا قوة لها ولا قدرة على مواجهة الانفلونزا العادية فضلا على مكافحة فيروس كورونا في نسخته الأخيرة
كانت ووهان عاصمة مقاطعة هوبي الصينية والأكثر اكتظاظا بالسكان في وسط الصين، وحيدة في مواجهة الوباء في الأسابيع الأخيرة من العام 2019 وبدايات العام الكئيب 2020م
العالم كله كان يقلل من المخاطر ويتعامل مع الواقعة على انها رغبة أمريكية في تدمير التنين الصيني وازاحته من حلبة المنافسة على إدارة العالم .
وحتى المتفرجين الذين صمتوا في مساندة الحاكم الدولي المستفرد بالقرار او تعاطفوا مع الصين دونما ان يقدموا لها حتى مساندة معنوية كانوا يراقبونها تغرق بلا حراك واليوم يتحدثون عن استلهام التجربة الصينية في مواجهة الوباء .
لكن اجمالا ما لذي يحدث ؟ ما لذي يتوفر من معلومات غير معلنة أجبرت الرؤساء والملوك والزعماء ان يتحدثون لشعوبهم ويطلبوا منهم العون ويلمح بعضهم ويصرح اخرون بان الأصعب لم يأت بعد وان على البعض ان يستعد لوداع اقاربه ؟
تتطور الأحداث يوميا ربما اسرع مما نتخيل ، فمن الأرقام العشرية الى المئات ثم الالاف ومئات الالاف من المصابين بالفيروس يقابله عدد ليس بالسهل من الضحايا وعدد اكبر من المستهترين او العاجزين او غير الواعيين لخطره وما يزال الرقم متسارعا .
تتطور اليات التعامل مع الوباء من التعامل مع الحالات المصابة وعزلها وتجهيز المشافي وخطط الطوارئ الصحية الى الاحترازات بتعليق الدراسة في المدارس والجامعات وتعليق العمل الحكومي وإيقاف الجمع والجماعات حتى طالت الحرمين الشريفين وأماكن العبادة من مساجد وكنائس ومعابد على مستوى العالم .
وتوقفت الرحلات الدولية والداخلية في بعض البلدان وحتى حضرت وسائل النقل بين المدن والحافلات والباصات والمتروهات والقطارات وغيرها .
ولجأت دول الى فرض حضر التجوال وتعطيل العمل او تقليله حتى طال القطاع الخاص .
توقفت الحركة في كثير من الدول فلا العاب أولمبية ولا بطولات كروية ولا سهرات فنية ولا حفلات راقصة ولا مهرجانات انتخابية وحتى وصل الامر الى اغلاق المطاعم والمقاهي امام المرتادين
لم يحدث هذا الامر من قبل على الأقل في تاريخ من نعرفهم من الآباء والاجداد .
فما لذي يحدث ؟ وهل فعلا الامر بهذه الخطورة ؟
هل نحن امام جائحة خطرة؟ ام اننا نشهد حربا عالمية ثالثة صمتت فيها الصواريخ والطائرات والقوة النووية واصبح العالم يواجه سلاحا بيولوجيا جديدا لا يرى بالعين المجردة ؟ سلاح سيغير من طبيعة الصراع في العالم ومن أساليب القتال ووسائله في المستقبل ؟
هل نحن في انتظار الأسوء ؟
لا عاقل يتابع الاحداث فيعتقد ان ما قبل كورونا مثل ما بعده ؟
دعوني اخبركم ما اتوقعه في ظل تدفق ملايين الاخبار اليومية ، انني اشتم رائحة المطابخ التي ترعب العالم وتعمل على انتاج يومي متسارع لكل ما هو مقلق ومخيف ..
هناك حرب تدار في كواليس القيادة الكبرى للسيطرة على الإدارة
وليس الامر إدارة دولة او قارة بل إدارة العالم
يتصارع الأقوياء في معركة كسر العظم على اختطاف السيادة ولو كلف ذلك التضحية باقتصادات دول وامن و استقرار سكان الكوكب
فبينما نحن نتسابق على الكمامات ونبحث عن المعقمات ونغرق في الحجر الصحي واحتساب اعداد المصابين ونشر طرق الوقاية والاحترازات وكلها أمور مشروعة وندعو ونحث عليها ، لكن غيرنا يصارع على البقاء حاكما عالميا منفردا ولا يأبه لما ينتظر العالم من ويلات حرب الفيروسات .
فهل يعني ذلك اننا لسنا امام وباء وقد وقع العالم في فخ كبير ؟
تعالوا نجيب على هذا السؤال بالمنطق العلمي فقد شهدت البشرية خلال تاريخها الطويل العديد من الأوبئة والأمراض التي حصدت أرواح الملايين من البشر في مناطق مختلفة من العالم واعتبر تفشي فيروس كورونا الوباء الثامن عشر في تاريخ البشرية.
لكنه مقياسا للأوبئة السابقة اضعفهم قوة واقلهم عددا
- فطاعون جستنيان (541 - 750م) الذي وضع حدا لفترة حكم إمبراطور بيزنطة في القرن السادس جستنيان الأول قتل بين 30 إلى 50 مليون شخص، ما يعادل نصف سكان العالم في ذلك الوقت.
وماذا كانت النتيجة بعد الوباء بحسب المصادر التقليدية، ساهم تفشي هذا الوباء في توقف الأنشطة التجارية وإضعاف الإمبراطورية، مما سمح للحضارات الأخرى باستعادة الأراضي البيزنطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأجزاء من آسيا.
- و بين عامي 1347 و1351، انتشر الطاعون الدبلي في جميع أنحاء أوروبا، مما أسفر عن مقتل نحو 25 مليون شخص. واستغرقت إحصائيات مستويات عدد السكان في أوروبا أكثر من 200 عام للعودة إلى مستواها قبل العام 1347. ومن بين التداعيات الأخرى لهذا الوباء الذي عُرف في وقت لاحق باسم "الموت الأسود" انه ساهم ذلك في خلق المزيد من فرص العمل، وتنامي الحراك الاجتماعي ووقف الحروب لفترة قصيرة.
- جلب الأوروبيون عددا من الأمراض عندما وصلوا لأول مرة إلى قارتي الأميركتين عام 1492. وكان أحد هذه الأمراض مرض الجدري، وهو مرض معدٍ قتل نحو 30% من المصابين. أودى الجدري بحياة قرابة 20 مليون شخص، أي نحو 90% من السكان في الأميركتين. وساعد هذا الوباء الأوروبيين على استعمار وتطوير المناطق التي تم إخلاؤها، وتغيير تاريخ القارتين.
- واما الكوليرا " الوباء المنسي " الذي ما يزال مستمرا حتى يومنا هذا فقد ظهر في "جيسور" بالهند، وانتشر في معظم أنحاء المنطقة ثم إلى المناطق المجاورة، وأودى بحياة الملايين
- وتسببت الإنفلونزا الإسبانية (1918 - 1919) التي اصابت نحو 500 مليون شخص، في قتل أكثر من 50 مليونا على مستوى العالم.
وحتى لا نغرق في التفاصيل الكثيرة للأوبئة السابقة كلنا يتذكر إنفلونزا الخنازير (2009 - 2010) ، حيث أصيب أكثر من 60 مليون شخص في الولايات المتحدة، وتراوح عدد الوفيات العالمية بين 151 و575 ألفا.
ولكنه مر دون ان يحدث هذا الضجيج العالمي ولم تغلق من اجله حركة الملاحة الجوية ولا حجرت الحياة العامة .
امام هذه الأوبئة وما نتج عنها من تغييرات كبيرة في الواقع السياسي والاقتصادي وما خلفته هذه الجائحات الدولية من تغيرات على المستوى الديموغرافي نجدنا ملزمين بان نقرأ ما بين سطور هذه الازمة الجديدة
التي جندت لها الالاف المنصات والوسائل الإعلامية لبث الرعب حتى اسفرت احصائيات منشورة مؤخرا عن تقديرات أن فيروس كورونا سينتشر إلى حد كبير في جميع أنحاء العالم، ويمكن أن يصيب في النهاية ما بين 40 و70% من سكان العالم. وسيتسبب في مقتل ملايين الأشخاص، وسيُكلف الناتج المحلي الإجمالي العالمي تريليونات الدولارات
ما اريد ان اخلص اليه في هذه الاستعراضية الطويلة الى اننا امام منحنيين خطيرين
- الأول : يستدعي منا ان نتنبه جيدا لهذا الخطر الوبائي ليس بالوقاية فحسب بل حتى بالاهتمام بالحصن الأكبر لمواجهته الا وهو تقوية المناعة لدينا والحفاظ على طاقة اجسامنا في مواجهته .
وان نكون عونا لمجتمعاتنا وحكوماتنا في التنبه للخطر الذي القي في وجه العالم دون رحمة وانتج وطور ليكون مفتتح عهد جديد من الحروب الذي تخوضها القوى العظمى .
- الثاني : الا نغفل على مجريات التغييرات السياسية والاقتصادية التي سيجلبها هذا التداعي للفيروس وانتشاره
على الدول الحرة الا تركع امام سلب قدراتها واستنزاف مخزوناتها النفطية والعقارية وشركات التصنيع الدولية بيد الغالب من هذه المعركة الصراعية المخيفة .
لابد من ان يكون من اليوم الم يكن من الامس لدينا كدول عربية ناهضة مراكز لدراسة الازمة وادارتها وان تستعين الدول بخبرات بعضها لتشكل لنفسها طوق نجاة من ويلات الحرب العالمية الثالثة .
فالوقت ليس للصراعات البينية والخلافات والأزمات العربية فالمعركة وجودية تتطلب تظافر الجهود الحفاظ على جسد الامة العربية والإسلامية من السقوط .
لا يجب كقيادات وسياسات ان نغلق على انفسنا الأبواب ونحجر على ادمغتنا من التفكير بالأبعاد الحقيقية للوباء وان نظل ننتظر قضائنا خوفا من تسرب الفيروس الى القادة فلو فعلنا ذلك لوجدنا انفسنا بعد اشهر وليس اكثر خارج الحسبة الم نكن ضحايا القسمة القادمة .