عبير بدر
كل عام ونحن وبلادنا في خير وحرية وسلام واستقلال وسيادة..
لا يخفى على أحد أن المرأة اليمنية أدت دوراً أساسياً في الزخم السياسي الذي شهدته الدولة اليمنية في كل مراحلها.. وتعد ملكة سبأ مصدراً لفخر كل اليمنيين الرجال قبل النساء.. بالإضافة إلى ذلك، جاءت الملكة أروى التي صبّت اهتماماتها في البنية التحتية، وتعزيز مبادئ المدنية والعيش المشترك، وصنعت تحولاً تاريخياً مزدهراً في عهدها لا يزال يضرب به الأمثال حتى يومنا هذا.
وفي العصر الحديث، ضربت المرأة اليمنية أروع الأمثال في النضال النسوي أمام الاستعمار والحكم الإمامي، إذ أسهمت في نجاح الكفاح المسلح، وخوض مختلف أشكال النضال السياسي.
لقد شاركت المرأة في التنظيمات السياسية، وتصدّرت التظاهرات، وساهمت في قيادة الإضرابات، ونالت شرف الاستشهاد والاعتقال على أيدي سلطات الاحتلال والإمامة.
وهناك العديد من الأسماء النسائية التي يزخر بها تاريخ اليمن النضالي، ناهيك عن أن المرأة اليمنية شاركت في صنع التحولات السياسية البارزة بعد التحرير والاستقلال، وحققت المنجزات في المجالات كافة، وتقلدت المناصب الرفيعة وشاركت في صنع السياسات العامة في الدولة والمجتمع.
إنني وغيري ممن نعاني الغربة عن الأهل والبلد.. نستمد قوتنا من صمود المرأة اليمنية في الداخل.. المرأة الصابرة والصامدة في وجه عبث ومراهقة وجشع كل تجار الحرب في اليمن من الأطراف كافة
أما اليوم، فإن هذه المرأة المتشبعة بهذا الإرث النضالي تفترش الأرض وتلتحف الشمس في اعتصامات سلمية أمام المعتقلات والسجون، سواء تلك التابعة للمليشيا الحوثية في صنعاء والحديدة، أو تلك التابعة لمليشيا الانتقالي ومن يقف خلفها في عدن وحضرموت.
اليوم وبعد 55 عاماً من الاستقلال والحرية، تعتصم النسوة مطالبات بالإفراج عن أبنائهن المعتقلين والمخفيين على ذمة قضايا رأي!!
شاء الله أن تتدخل قواتٌ أجنبية في شأننا اليمني، لكن المؤسف أنها تناست أهداف وجودها على أرضنا، وإن كان ثمة خلافات سعودية إماراتية فإننا نرفض رفضاً قاطعاً أن تجعل من الجغرافيا اليمنية وشعبها مسرحاً وأداة لتصفية حساباتهما وتوسعة نفوذهما.. لقد جاءت هذه القوات لهدف محدد، فإن كانت ترى أنها عجزت عن تحقيقه فخيراً لها أن تحمل عصاها وترحل.
جاءت قوات التحالف، والحديث هنا عن القوات الإماراتية بدرجة أساسية، إلى اليمن للمشاركة في إعادة الشرعية ودولة القانون؛ لا لاستحداث سجون ومعتقلات على امتداد الجغرافيا اليمنية، حتى في جزيرة السلام سقطرى.. ولولا موقف الحكومة اليمنية المحمود، والهبّة الشعبية المساندة للحكومة حينها في حادثة سقطرى، لكنا اليوم نعاني احتلالاً فاضحاً لأحد أهم جزرنا اليمنية.
في هذه الأثناء، ونحن نتحدث عن ثورة أكتوبر التي حررتنا من استعمار الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، يخرج الآلاف من رجال ونساء المحافظات الجنوبية يطالبون بالتحرر مما باتوا يسمونه "احتلالاً"، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن الشعب الذي لا ينكر معروفاً، يعلم جيداً متى ينتهي حلمه وصبره.. وعلى قوات التحالف مراجعة حساباتها وسياساتها في اليمن.. وخصوصاً في ما يتعلق بالمعتقلين والمخفيين.. وأيضاً في ما يتعلق بالإرهاب الذي تقوده زعامات المليشيا المدعومة من دولة الإمارات.. وكذا الإرهاب الذي تقوم به المؤسسة العسكرية ضد المعارضين..
أما في شمال اليمن، فالانتهاكات لا تطاول النساء المناضلات فحسب بل تطاول الجميع.. البارحة تصدرت الصحف أنباء عن اعتقال وإخفاء المتحدث باسم الطائفة البهائية، عبدالله العلفي، في صنعاء.
منذ متى كانت صنعاء تهدد التنوع الطائفي والفكري والحزبي؟
إن الاعتقالات والاعتداءات والترهيب لكل المعارضين والمعارضات، تعد نتيجة بديهة للانقلاب واغتصاب السلطة واستخدام السلاح في التغيير السياسي.
إنه لأمر محزن أن يقبل اليمنيون بهذه الطريقة للتغيير.. مهما كانت المبررات.. إنه لمحزن حقاً أن يشرعن "إخوتنا الحوثيون"، وقد كانوا شركاء في مؤتمر الحوار الوطني.. أن يشرعنوا لأنفسهم القيام بانقلاب وفوضى وإشعال الفتيل لاحتراب أهلي بين اليمنيين..
وإنه لمشهد مخزٍ أن نرى نساءً يمنيات يضربن أخواتهن بالعصيّ والصواعق الكهربائية في صنعاء.. لا لذنب سوى ممارسة الحق المشروع في التظاهر والتعبير عن الرأي.
إنه لمشهد مخزٍ أن نرى أستاذة أكاديمية أفنت عشرين عاماً من عمرها خدمة لوطنها.. تستوقف ويعتدى عليها وتهان على بوابة الجامعة ممّن يدعين أنهن "زينبيات".. فتوقفها إدارة الجامعة التي باتت تحت سلطة "الحوثيين" وتقول لها "اجلسي في بيتك".
وعلى ذكر الزينبيات، فمن المؤسف أن تغدو المرأة اليمنية التي كانت رمزاً للأخلاق الفاضلة والرقة والرحمة، تغدو اليوم فخورة بأنها تحمل الهراوات وتتجرد من أنوثتها في الشارع وتمارس العنف ضد بنات جلدتها، وتحولت بفضل لفظة "زينبية" إلى "عتريس".
لكن بالمقابل هناك نماذج مشرفة.. هناك نساء ما زلن يناضلن لحفظ الأمل في استعادة وطن الجميع.. ما زلنا نرى ورش التدريب والتأهيل والمحاضرات التوعوية والدورات المتنوعة.. ما زلنا نرى الفتاة اليمنية تحقق النجاح في مدرستها وجامعتها وأفكارها الإبداعية الخلاقة، رغم المعاناة وانعدام الأمن الفقر والجوع والمرض.. ورغم التقارير الأممية التي تؤكد توقف 33% من الفتيات عن التعليم في اليمن.
إنني وغيري ممن نعاني الغربة عن الأهل والبلد.. نستمد قوتنا من صمود المرأة اليمنية في الداخل.. المرأة الصابرة والصامدة في وجه عبث ومراهقة وجشع كل تجار الحرب في اليمن من الأطراف كافة.
"نقلاً عن العربي الجديد"