أ. محمد الدبعي
هل هم مؤهلون لقيادة أمة إسلامية الوجدان دهستها عجلات الظلم والإستبداد مرارا وتكرارا فيكونوا حصانها، أم ان وجدان الأمة سيقودها ويحركها ويملي عليها ماتفعله؟ في هذه الحالة ستكون الوضعية معكوسة سيصيرون هم العربة ولكن أمام الحصان.
قال أحدهم: (اليوم يحاول البعض استنساخ مشاكل أوروبا ( القومية / العلمانية )بدعوى الكهنوت الإمامي، وهو كهنوت علاجه الناجع في الدعوة إلى إسلام محمد وتمثل ذلك الإسلام، وسينزوي الدين المحرف تحت مطارق المقاومة الفكرية والجهادية........
وفي آخر كلامه يقول: لم ولن تكون العلمانية قسيما للإسلام في وجدان شعوب منطقتنا... ولم نجن من العلمانية أكثر من خسارة الدين والدنيا معا.)
إنتهى كلامه!
وانبرى الكثيرون مشايخ وكتاب للرد على من قال: (دولة علمانية ديمقراطية هي الحل. العلمانية للتخلص من الكهنوت والديمقراطية للتخلص من القيصر. صباحكم علمانية وديمقراطية قادمتين لاريب فيهما.)
عفوا أساتذتي ومشايخي!
عفوا أبنآء الحركة الإسلامية جميعا!
أقول صدقوا وأخطأتم جميعكم!
للأسف لانزال متخلفين بمئات الأميال عن الخطاب الحضاري! لقد تجاوزكم بعض من نور الله عقولهم من أبنآء الحركة الإسلامية ومن غيرها بسنين ضوئية فكرا وطرحا وعملا.
أنا لا أظنكم متأخرين في فكركم عنهم إن شئتم أن لا تتأخروا، لكنكم جبنتم عن التعبير بالجديد، وحسبتم لقول العامة من الناس وتقاعستم عن التجديد الفكري، بينما تجرأوا هم وتقدموا ولم يبالوا بما يطلبه المستمعون.
او ربما أنكم لازلتم في بدايات طريق المراجعات التي قد تعداكم فيها الكثير الكثير من أولي الألباب وتحتاحون للإسراع قليلا للحاق بهم.
قرآءاتكم غير متقدمة، حيث لم تستفيدوا من عبرة قرن من الزمان، ولم تستحضروا أحداث الأمس ولا واقع اليوم، ولم تستقرئوا المستقبل بعد ولم تستشرفوه!
وهذا هو جرمنا الكبير للأسف الشديد بحق ديننا أولا ثم بحق أنفسنا وأوطاننا ثانيا. الجمود الفكري السياسي لا يزال يسيطر على عقليات الحركة الإسلامية ويعبث بها. وعندما أقول الحركة الإسلامية فإني أعني بها الإسلاميين المعتدلين. أما من يسمون أنفسهم بالسلفيين فهم في هامش التأريخ ولا يجري عليهم القلم لأنهم لا ينتمون إلى أي من الثقلين.
هناك اختلاف جوهري كبير لا زلنا لم نستوعبه بعد وهو كيفية التعاطي مع الواقع والوقائع والأحداث.
ماضرنا التسمية أو الشكل طالما وأن ذلك سيساعدنا على تحقيق ما نصبو اليه ولو على المدى البعيد؟
ومالا يتم الواجب الا به فهو واجب. وتغيير الخطاب والاستراتيجية ومسايرة العصر والتخلي عن الفكرة الأصلية والدخول في اللعبة أوجب.
فللإسلام جانب فكري وفلسفي عظيم يتيح للمفكرين مساحة شاسعة جدا للمناورة والموأئمة بين المتناقضات الطارئة يغيب عن الكثيرين وبالخصوص عن أبنآء الحركة الإسلامية الذين يفترض بهم أن يكونوا أكثر وعيا من غيرهم. فلقد تقيدوا بالأحكام والنصوص الموروثة، دون نظر إلى الفلسفة الكلية التطبيقية للتشريع.
الإسلام ليس تحليلا وتحريما فقط مصبوبا في قوالب جامدة، بل هناك مراتب أخرى كالكراهة والإستحباب أيضا، وهناك مصادر للتشريع عديدة حددها علمآء اصول الفقه (وليس حفاظ النصوص) بعد القرآن والسنة مثل الإجماع وقول الصحابي والقياس، ثم الإستحسان والإستصحاب والمصلحة المرسلة، العرف، سد الذرائع، وشرع من قبلنا.
وبما أنه (ص) قال: "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها"، فليس كل مايأتي من الغرب فاسدا وإلا لما قال رسولنا هذه القاعدة العظيمة، بالتأكيد قالها ليحرر العقل البشري من الجمود الفكري.
والنظام العلماني بالتالي هو أحد هذه الأمور التي بإمكانها ان تكون ضالة المؤمن طالما تحقق مآربه وأهدافه، وبإمكانه ان يضيف إضافات إيجابية إلى نظام نعلم يقينا أنه أرقى النظم وأكثرها إنسانية وهو التشريع الإسلامي.
فالعلمانية الحقيقية عالمية القيم والمباديء السامية التي توفر الحريات لجميع طبقات الشعب، والتي هي أصلا من روح إسلامنا الحنيف. عالمية الرسالة لاتتحقق مالم تكن هي الرسالة الربانية المرنة الضامنة للحرية والمساواة والعدالة والقسط بين الناس، وبضوابط تحفظ حقوق وواجبات الحاكم والمحكوم، وتصلح أحوال الناس وتحقق كرامتهم وتوفر لهم فرص النجاح والرقي.
فعالمية الفكر الإسلامي إنسانية بالدرجة الأولى بغض النظر عن خلفيات المواطنين الفكرية أو العقائدية..
وفي ظل هذا المشكل الضخم والجور العظيم الواقع على النظام الإسلامي من أبنآءه الذين ماتركوا موبقة من الموبقات إلا وارتكبوها بإسمه، ولا نقيصة إلا وألحقوها به، ولا قبيحا إلا ووسموه به، ما هو الحل برأيكم، وكيف المخرج؟ وأي سبيل نسلكه لننعم بنعيم الإسلام في مثل هذه الظروف الحالكة، وصروف الزمان الساحقة، وهكذا بعض رجال دين متسلطة ومتعجرفة، ورجال سياسة أفاكة ومتسلقة؟؟؟!!
للحديث بقية!
أ. محمد الدبعي