الإيمان يمان والحكمة يمانية!
معقولة نكون نحنا المقصودين بهذا الحديث؟
أستغرب وأحتار في استيعاب ووصف بعض السلوكيات التي تصدر من بعضنا، واللي يفترض أنهم يمانيين فكرا وروحا وجسدا! مانعيشه ونشوفه اليوم في بلادنا الغالية ينسف هذا المعنى، بل يخليني أشك في أنه قيل فينا.
حروب واقتتال وتدمير وكراهية وعنصرية بغيضة تسعر النيران في القلوب إلى درجة لا تصدق كأنه ماشي في قلوبنا إيمان، او كأن الإسلام عاده ماشي وصلنا، ولا جانا معاذ بن جبل، أحس إننا نعيش أيام الجاهلية الأولى، لأني ماأشوفش أي حس وطني عند كثير من اللي ينتمون إلى هذه الأرض الطاهرة اليمن، طلع أغلبهم ركش، ويطزطزوا في البلاد والعباد.
شوفوا اوروبا قد تحولت من دويلات متصارعة إلى قارة واحدة إسمها الإتحاد الاوروبي، ومن يعيش فيها يعرف أيش معنى الإتحاد الأوروبي. ونحنا جالسين نجري ورا التمزق والتشرذم والتفرق من شان نعيد القديم الفاسد بعدما توحدنا، وماشي عاقل يجرب المجرب. وعلشان نفهم الفكرة اللي اكلمكم عنها لازم أذكركم بالماضي الأسود من التاريخ اليمني قبل الوحدة.
في 13 يناير 1986 قامت حرب أهلية بين الرفاق في عدن انتهت بانتصار اصحاب سالم البيض على أصحاب علي ناصر، ونزح الالاف من أصحاب ناصر إلى الجزء الشمالي. وكلهم في الواقع مهزومون مكرسحون.
بعد أحداث يناير بدأ الرفاق "المنتصرون" يفكرون في الوحدة مع الشمال لأنها تضمن لهم مهربا مناسبا وبطوليا من الأزمات التي تخنقهم، عملا بمبدأ الهروب إلى الأمام، لقى فيها المخلوع علي عبدالله صالح فرصته يلهفها كاملة الشطرين، لأن الطرف الثاني يعاني ضعفا وانهيارا شبه كلي تنظيميا وسياسيا واقتصاديا، كلهم بيغنوا شلني يادريول تجمل، وشلهم الجني وشلها واتجمل معهم.
بس قبلها أيام الرئيسين الحمدي وسالمين بدأت أول فصول مفاوضات الوحدة في سبعينيات القرن الماضي، وأسفرت عن التوصل إلى تفاهمات مهدت للوحدة التي أعلن عنها رسميا في 22 مايو 1990 تولى فيها علي عبدالله صالح رئاسة البلاد وعلي سالم البيض منصب النائب (شكليا وهو لا يهش ولا ينش).
بعدها بحوالي أربع سنين وقع تمرد إنفصالي جنوبي في يوليو عام 1994، شاف الرفاق إن الدنيا ماشي سبرت لهم وإن عفاش لهفها كلها، فتم إخماد المحاولة في حرب زادت على الشهرين سقط فيها آلاف القتلى والجرحى، وتم نفي الكثير من قياداتهم الى الخارج، واللي بقوا منفيون في صنعآء ولا نخس.
وبهذا تكون انتهت حقبة تاريخية مهمة في حياة الشعب اليمني في الجنوب، وطويت صفحاتها للأبد، فترة عانى فيها إخواننا الأمرين تحت نير الشيوعية الإشتراكية التي حكمت الشعب بالحديد والنار: تأمين للمتلكات وقتل للملاك، إعدامات للعلمآء وتصفيات لكل معارض وإخفآءات قسرية، وجوع وطوابير عشان المواد الغذائية، وليبدأ فصل جديد من تاريخ اليمن الحديث.
أحكي لكم هنا بعض الطرائف من طفولتي التي لا زلت أتذكرها وكأني أشوفها الآن بعيني، عندما كنت في السابعة من عمري على ما أعتقد، وكنا نسكن في قلب مدينة عدن الحبيبة في شارع التقدم جنب حافة القاضي. وكان لأبي دكان في سوق الطعام كما بقية التجار الجبالية الوافدين على عدن من ريف تعز، وكان هناك تجار حضارم كذلك وأبرزهم العمودي رحمه الله الذي أعدموه، هو ورجل الأعمال الإبي القمر لأنهم حاولوا تهريب أموالهم إلى الشمال مخافة أن تؤمم وتصادر (أعرفهم لأننا كنا جيران وأصدقآء مع عيالهم).
وأتذكر تلك الليالي السودآء التي مرت على أبي وأعمامي وصهر عمي الأخ عتيق سلام حين كانوا يقفون بعد منتصف الليل تحت بيتنا يتشاوروا ايش يفعلوا بعد أن أعياهم التعب من البحث والدوار عن عمي أحمد رحمه الله والمخفي قسريا بسبب تهمة رماه بها أحد الأشخاص من قريتنا دقم الغراب ويدعى الطبل س. أ. عندما قبضوا عليه ولقوا معه فلوس مهربة لأشخاص آخرين.
اعود فاذكر موقفا مضحكا حصل معي مرة بدري من الصبح في أحد الأيام لما أبي عليه رحمة الله أرسلني للتسوق في سوق الخضار والأسماك. خرجت من البيت حوالي الساعة السادسة بعد الفجر لأكون اول الداخلين على السوق، وما اشوف لك قدامي إلا طابور طويل لا اول له ولا آخر له. وقفت بالطابور، وبعد ساعة ونصف تقريبا وصل دوري واشوفلك طاولات فاضية ماعد خلوا لي شي هههههههههههههههه.
رجعت مشيت لسوق السمك بجنبه كمان ماوجدت شيئ.
عدت إلى البيت وفي يدي بعض البطاط والبصل لاغير.
هذا فقط لتلطيف جو المقال يا أصدقآئي.
غبني على من قضى عمره يعبد الدينار!
وهاهو التأريخ اليوم يعيد نفسه ولكن بوجوه جديدة وكأنك يابو زيد ماغزيت! فبعد 28 سنة من لم الشمل اليمني يخرج علينا إنفصاليون جدد، منهم من عانى من النظام الفاشي العفاشي ولا ننكر ذلك ولأننا نحن ايضا عانينا كماهم في الشمال ونشعر بمعاناتهم فكلنا في الهوى سوآء، ومنهم من رهن نفسه لإرادة خارجية يؤذيها ويوجعها وجود يمن إتحادي قوي.
فلا نراهم يستخدمون العقل ولا يحكمون المنطق ولا يغلبوا المصلحة الوطنية ولا يقيمو وزنا للدم والعيش المشترك ولا لأي شئ، وكأن البعض فقد عقله أو ضميره او ربما باعهما بثمن بخس.
تقولوا بنرجع نعيش أبيات البردوني مرة أخرى من صدق:
يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمن
جنوبيون في صنعآء شماليون في عدن؟؟؟
ياإخواني في الجنوب! لا تسمعوا لهؤلآء الذين يرفعون علم الإنفصال، كلهم طيسي فيسي، مرتزقة بايبيعونكم في سوق خراب، وما بيجيبوا لك إلا الجوع والدمار والقتل اللي أنتم تشوفونه بعيونكم، وقد البلاد مدمرة مكسرة حالتها حالة، وماشي عاقل يجرب المجرب! إعقلوا واستهدوا بالله وبطلوا العنطزة الكذابة، واللي حصل لكم لحد الآن مش قليل!
الله يرحمك ياشاعرنا الكبير سلطان الصريمي ويافناننا القدير محمد مرشد ناحي، وأقدم إعتذاري العميق لكما على تحوير كلمات الاغنية:
حسك تصدق عجائب ناعق العربان
ولا تصدق حكاية إبن صوت الدان
أصحابها ضيعونا وكسروا الميزان
باعوا الأصابع وخلوا الكف للديدان
وقطعوها على ما تشتهي إيران
فكر بباكر ولا تنعق مع الغربان!
أ. محمد الدبعي