ايهاب الشرفي :
تتقدم جحافل الجيش برا و جوا و بحرا قادمة من اطراف الارض ، من هناك حيث تتراكم الثلوج منذ ملايين السنين في القطب المتجمد الشمالي ، تتحرك الأساطيل الحربية من شرق الأرض الروسية لتقاتل الإرهاب في الأراضي السورية ، تحركت حاملات الطائرات و الغواصات و طائرات الميج و السخواي ، لتقتل طفلا في حلب و عشرات من اقارنه في الغوطة الشرقية .
وهنا يتشقق قلبي و تزورني سهام الغدر و الخيانة يسري سمها في كل بوصة من جسدي المنهك من فرط الأوجاع و تكالب الاهات في أعماقي ، وتشب نارا عظيمة اوقادها في صدري، وكانها نسخة من نار خليل الله إبراهيم ، او تلك التي اشعلها هامان لربه فرعون حتى يصعد الى السماء و يطلع على رب موسى ، او لكانها حمم بركانية تقذافتها الأقدار من جزيرة واق الواق ، و اصابت دون قصد هزيل مثلي يعيش في حضارة يدعى البشر فيها الإسلام و يتبارون في انسابهم العربية .
تغمرني دموع يوسف في غياهب الجب او تلك التي ذرفها في السجن ، و تجتاح جوارحي اوجاع أيوب و خوف موسى حين كان هاربا خائفا يترقب جنود فرعون ، و أشعر بوحدة يونس في بطن الحوت ، رغم اكتضاض العالم من حولي و انتشار الناس في محيط عاملي ، لكنهم قوم يقال لهم "عرب" ارتوت اجسادهم بالذل و الهوان و تشبعت ارضهم بالدماء و اكتضت السماء فوقهم بأرواح الأبرياء و الضعفاء ، ودنست ارضهم باقدام المستعمرين، اعيش فيهم و انا اخشى ان افتح شاشة تلفازي او العالم الافتراضي من جوالي ، خشية ان أرى ذالك المشهد المؤلم في قلب اعظم حضارة عربية و اسلامية ، هناك حيث انشاء معاوية دولته الاموية ، التي امدت الى شرق الارض و غربها ، هناك حيث يغفوا التاريخ على أرواح النساء واشلاء الأطفال ، هناك حيث الغوطة الشرقية .
احدثكم عن أرض المحشر في الغوطة الشرقية ، حيث تحلق الطائرات الروسية ، توزع الموت بالعدل المبين ، في أحياء المدينة الشرقية و الغربية ، احدثكم عن الغوطة ، حيث الصواريخ المضلية تستريح على اشلاء المسلمين و المسلمات، تناثر اشلائهم كريش حمام في نهار عاصف ، تبيد الحياة من وجه الأرض هناك ، تدك المنازل و المساجد بالمجان ، تتساقط المنازل كاوراق الخريف على رؤس ساكنيها ، احدثكم عن الغوطة التي تقصف اليوم بالصواريخ و القنابل المحرمة و المحللة ، تدفن الاجساد البريئة المخضبة بالألوان الارجوانية تحت أكوام المنازل ، هناك في الطرقات و الشوارع في الاحياء الشمالية و الجنوبية في الغوطة الشرقية .
احدثكم عن نحيب ارملة فقدت عائلها الوحيد و بعلها الرشيد ، وعن أم غزء الشيب جسدها و احتلت الكهولة شبابها تحمل طفلها الوحيد و قد انفصل جسده الى ثلاثة ، وعن شاب ببقايا جسده النحيل كسعفة نخل تجاوزتها الاعوام و السنوات ينبش في بقايا منزلهم الريفي لينقذ ما تبقى من اخاه الوحيد ولا يجد سواء طرف يداه اليمنى رافعا سبابته نحو السماء ، او عن أب غزء البياض راسه و يسكب الدمعات تتراء على تجاعيد خده القديم ، و قد بح صوته من فرط البكاء على أبنائه الخمسة و اقفا على جثثهم في قارعة الحي يبكي داعيا ربه مواسيا جاره الذي يصف جواره بسبعة من أبنائه ، و عن طفل يصرخ ينادي ربه ان يجمعه باسرته التي رحلت بقافلة من اثناء عشررجل و ثلاثة اطفال و سبع نسوة ، و ابقته الأقدار وحيدا خائفا يترقب طائرات الموت او قاذفات الدمار او مدفعية عزرائيل ، ام احدثكم عن إمرأة نجت من لهيب القنابل العنقودية و الفسفورية و صواريخ الكروز و فرت هاربة ليعتقلها الجنود الروس في اطراف المدينة و يغتصبها سبعة منهم و نحيبها يدوي في الارجاء و تصرخ و معتصماه و إسلاماه و عروبتاه .!!
يحدث كل هذا و العالم ينظر الى الغوطة كمعركة اسطورية وقعت تفاصيلها في زمن سحيق ، بين تنين و ديناصور في العصر الحجري ، يحدث كل هذا وما زال العرب و المسلمين يتقاتلون على طهارة الثوب و نجاسته ، يتحاربون على أحقية معاوية ام علي بحكم ارض الغوطة قبل آلاف السنين .
اطفال الغوطة يستغيثون اليوم خليفة المسلمين فيجيب منادي من خلف شاشة التلفاز ان حاكمنا اليوم اشترى لوحة اصلية باربعمائة مليار دولار ، و يجيب اخر ان حاكمنا اليوم منشغل بأمر هام فجلالته يفتتح اكبر معبد للهندوسية وعبادة الأبقار في الجزيرة العربية ، واخر منشغل بقتل شعبه و آخر وآخر وآخرون منشغلون بالتطبيع و التطبيل و التخوين و التفتيت و الخضوع و الركوع لاعداء أمتهم و دينهم .
فلو ان مايحدث في الغوطة اليوم ، كان إعصار في أطراف هافانا او طلقات متفرقة باجواء باريس او حادث حافلة ركاب في طريق لندن ، لفتحت خزائن الملوك و سيرت القوافل العربية بالمعونات و الهدايا و تعاطف أصحاب السمو و الفخامة ، و لكان اصطف ابناء الذوات و ارباب الزعامة على قلب رجل واحد في صعيد واحد لمساعدة من تضرر و جبر ما انكسر و احتفل الحجر و الشجر بتدخل صاحب السمو الملكي في انقاذ طائر النورس على سواحل الولاية الغربية لشعب بني الاصفر .
فيارب السماء و الأرض ويارب كل شيء في هذا الكون ، اخسف بحكامنا الأرض من تحتهم و أمتهم شر موته و عجل في زوالهم و ارينا فيهم عجائب قدرتك و اخلف علينا افضل منهم من يراعي فينا الحرمة و الحرام و يفشي العدل تنقشع فيه الكربة و تزيل به الغمة و تنصر بيديه الدين و الأوطان ، يالله لا تولي علينا من لايخشاك فينا و لا تملك امرنا من لا ينصر دينك و يعلي كلمتك و ينصر عبادك في الأرض ، و يا الله انت العليم العظيم ، الطف باهلنا بالغوطة و كن لهم المعين و اللطيف فليس لهم سواك و انصر الحق اينما كان و ازهق الباطل كيف ماكان ، و اظهر لنا الحق حقا وارزقنا اتباعه و اظهر لنا الباطل باطل وارزقنا اجتنابه .