الحكمة نت - تقرير خاص:
في لقاء حصري وحديث شفاف بثّته قناة «العربية الحدث»، مساء امس تناول دولة رئيس مجلس الوزراء، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، الأبعاد المختلفة للأزمة اليمنية التي تجاوزت انعكاساتها حدود الداخل لتصبح ملفاً إقليمياً ودولياً .. مستعرضاً البداية الفعلية للتدهور، مبيناً أن جذور الأزمة تعود إلى انقلاب ميليشيات الحوثي على الشرعية الدستورية، الأمر الذي فتح الباب أمام حرب متعددة الأوجه، سياسية واقتصادية وإنسانية.
واوضح دولته أن الوضع الحالي يعكس تراكمات سنوات من المعاناة، حيث لم تعد الحرب مجرد مواجهة عسكرية بل تحولت إلى أزمة اقتصادية خانقة ومأساة إنسانية يعيشها الشعب اليمني يومياً .. لافتاً الى أن الحكومة اليمنية تدرك تعقيدات الأزمة وتسعى جاهدة للبحث عن حلول عملية وشاملة تضمن الخروج من هذا النفق المظلم.
خطط مواجهة الحرب الاقتصادية
وتطرق دولة الدكتور بن مبارك خلال المقابلة التي تابعها «الحكمة نت» إلى الحرب الاقتصادية التي تشنها ميليشيات الحوثي، والتي كان لها أثر بالغ على الوضع الاقتصادي للبلاد .. مبيناً أن منع مليشيا الحوثي تصدير النفط الخام والغاز المنزلي، وهما المصدران الأساسيان لإيرادات الدولة، قد حرم الحكومة من تمويل ميزانيتها العامة .. مضيفاً أن الخسائر الناتجة عن توقف تصدير النفط تفوق قدرة أي دعم دولي على تعويضها، مما يجعل البحث عن حلول داخلية أمراً حتمياً .. مشيراً إلى أن الحكومة اليمنية وضعت خططاً استراتيجية تهدف إلى تعافي الاقتصاد تدريجياً، وتشمل هذه الخطط تنشيط القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة، الثروة السمكية، والطاقة .. كما تعمل الحكومة على تفعيل دور المؤسسات العامة والخاصة بشكل متوازن لضمان الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة.
شراكة دولية
على صعيد التعاون الدولي، أكد رئيس الوزراء أهمية مؤتمر الشراكة اليمني-البريطاني الذي عقد مؤخراً، مشيراً إلى أنه يعكس مرحلة جديدة من التعاون الدولي القائم على تقديم رؤية يمنية واضحة للاحتياجات والأولويات .. موضحاً أن المؤتمر كان فرصة لعرض خطط الحكومة لاستعادة العافية الاقتصادية، والتي تتطلب دعماً مباشراً وفعالاً من الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية .. مبيناً أن الحكومة تسعى لتحويل الدعم الدولي من المساعدات الإنسانية قصيرة الأجل إلى استثمارات طويلة الأمد في البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية .. كما أكد أن اليمن يمتلك إمكانات هائلة غير مستغلة يمكن أن تسهم في تعزيز اقتصاده الوطني إذا ما توفرت البيئة المناسبة لذلك.
كارثة صافر .. دروس مستفادة
وفي حديثه عن ناقلة النفط «صافر»، لم يخفِ رئيس الوزراء خيبة أمله من الطريقة التي تعامل بها المجتمع الدولي مع هذه الكارثة المحتملة خيث اشار إلى أن التأخير في حل الأزمة أدى إلى تبديد الموارد التي تم جمعها، والتي تجاوزت (100) مليون دولار .. موضحاً أن التعامل مع قضية «صافر» يعكس نهجاً بطيئاً وغير حاسم في معالجة الملفات الإنسانية ذات الطابع الكارثي .. مبيناً أن التجربة مع «صافر» كانت درساً واضحاً حول أهمية اتخاذ قرارات حاسمة وسريعة في القضايا التي تمس الأمن الإقليمي والدولي .. داعياً إلى إعادة النظر في آليات التعاون الدولي لتجنب مثل هذه الإخفاقات مستقبلاً.
تهديدات مليشيا الحوثي
وعند الحديث عن مليشيا الحوثي، شدد رئيس الوزراء على ضرورة فهم المجتمع الدولي لطبيعة هذه الجماعة التي لا تمثل تهديداً محلياً فحسب، بل تشكل خطراً على الاستقرار الإقليمي والدولي .. مشيراً إلى أن الجماعة تعتمد في تمويلها على الإرهاب الاقتصادي من خلال تهريب الأسلحة، والاعتداء على خطوط الملاحة الدولية، وفرض الجبايات القسرية على المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها .. مبيناً أن الحكومة اليمنية تواجه تحديات كبيرة نتيجة لهذه الممارسات، لكنها تواصل العمل بالتنسيق مع شركائها الدوليين للتصدي لها .. كما أكد أن هناك وعيًا متزايدًا لدى المجتمع الدولي بخطورة الحوثيين، وهو ما يدعو إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة وحسماً تجاه هذه الجماعة.
مشكلات الخدمات العامة
ولم يغفل دولة رئيس الوزراء الإشارة إلى حجم الدمار الذي طال الخدمات العامة والبنية التحتية نتيجة الحرب المستمرة منذ سنوات .. مبينا ان شبكات الكهرباء والمياه والطرق والمستشفيات والمدارس تعرضت لدمار واسع النطاق، مما جعل الحياة اليومية للمواطنين أكثر صعوبة .. مؤكداً أن الحكومة تضع إعادة تأهيل هذه البنية التحتية ضمن أولوياتها، حيث بدأت تنفيذ عدد من المشاريع في المناطق المحررة بالتعاون مع شركاء دوليين .. مضيفاً أن تحسين الخدمات العامة يعد شرطاً أساسياً لعودة الحياة الطبيعية في المناطق المحررة، وهو ما يتطلب موارد كبيرة وخططاً متكاملة لضمان الاستدامة.
تحديات النازحين واللاجئين
وأبرز رئيس الوزراء حجم الكارثة الإنسانية التي تسببت فيها الحرب، حيث تزايدت أعداد النازحين داخلياً إلى ملايين، يعيشون في ظروف قاسية داخل مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة .. مشيراً إلى أن الحكومة تعمل بالتنسيق مع المنظمات الدولية لتقديم الدعم الإنساني لهؤلاء النازحين، ولكن تظل التحديات قائمة بسبب شح الموارد واستمرار النزاع .. لافتاً إلى معاناة اللاجئين اليمنيين في الخارج، الذين اضطروا لمغادرة البلاد بحثاً عن الأمن والاستقرار .. مؤكداً أن الحكومة تبذل جهوداً دبلوماسية لضمان حصولهم على حقوقهم في الدول المضيفة، مع السعي إلى تهيئة الظروف لعودتهم عندما يتحقق السلام.
التعليم كركيزة لبناء الدولة
وتحدث دولة الدكتور بن مبارك عن التأثير المدمر للحرب على قطاع التعليم، مشيراً إلى أن مئات المدارس قد تم تدميرها أو استخدامها لأغراض عسكرية من قبل الحوثيين، مما حرم آلاف الأطفال من حقهم في التعليم .. مبيناً أن الحكومة تنظر إلى التعليم كركيزة أساسية لإعادة بناء الدولة، حيث تعمل على إعادة تأهيل المدارس وتوفير الدعم للمعلمين لضمان استمرار العملية التعليمية في المناطق المحررة .. داعياً المجتمع الدولي إلى تقديم دعم أكبر لقطاع التعليم في اليمن، بما يشمل توفير الكتب والمناهج الدراسية والمعدات المدرسية اللازمة.
تمكين الشباب والمرأة
وأشار رئيس الوزراء إلى أهمية دور الشباب والمرأة في بناء مستقبل اليمن، موضحاً أن الحكومة تعمل على تعزيز مشاركتهم في مختلف القطاعات .. وأكد أن الشباب هم العمود الفقري لأي عملية تغيير، وأن الاستثمار في طاقاتهم وإبداعهم سيعود بالنفع على البلاد .. مشدداً على أن الحكومة تسعى إلى تمكين المرأة من خلال دعم مشاركتها في السياسة والاقتصاد والمجتمع المدني، باعتبارها شريكاً أساسياً في تحقيق التنمية والسلام.
تأثيرات المناخ على اليمن
لم يغفل رئيس الوزراء الحديث عن التحديات البيئية التي تواجه اليمن، مشيراً إلى أن البلاد تعاني من تأثيرات التغير المناخي، مثل الجفاف والتصحر والسيول .. وأوضح أن هذه التحديات تزيد من تعقيد الوضع الإنساني والاقتصادي، خاصة في ظل اعتماد شريحة كبيرة من السكان على الزراعة كمصدر رئيسي للرزق .. داعياً إلى تبني استراتيجيات وطنية لمواجهة التغير المناخي، مع طلب الدعم الدولي لتنفيذ مشاريع تعزز من صمود المجتمعات المحلية أمام هذه الظواهر.
معاناة القطاع الصحي
تناول الدكتور بن مبارك الوضع الصحي المتردي في اليمن، حيث تعاني المستشفيات من نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية، فضلاً عن هجرة الكوادر الصحية .. وأكد أن الحكومة تعمل على توفير الخدمات الصحية الأساسية في المناطق المحررة، لكنها تواجه تحديات كبرى في تغطية الاحتياجات المتزايدة .. مشيراً إلى أهمية التعاون مع المنظمات الصحية الدولية لتقديم الدعم العاجل وتعزيز البنية التحتية الصحية، مع التركيز على مكافحة الأمراض المزمنة والأوبئة مثل الكوليرا وحمى الضنك.
الشراكة مع القطاع الخاص
في إطار رؤية الحكومة لتعزيز التعافي الاقتصادي، تحدث الدكتور بن مبارك عن الجهود المبذولة لتشجيع الاستثمار المحلي والدولي .. وأكد أن الحكومة تعمل على تحسين الأوضاع الأمنية في المناطق المحررة، خاصة العاصمة المؤقتة «عدن»، إضافة إلى تطوير القوانين والتشريعات اللازمة لجذب الاستثمارات .. لافتاً إلى أن هناك مشاريع واعدة قيد التنفيذ بالشراكة مع شركات دولية، تركز على تطوير البنية التحتية وقطاعات النقل والطاقة والزراعة .. وأكد أن الحكومة تؤمن بدور القطاع الخاص كشريك أساسي في عملية إعادة بناء الدولة وتحقيق التنمية المستدامة.
نحو حل سياسي شامل
وعلى الصعيد السياسي، جدد رئيس الوزراء التزام الحكومة بالمرجعيات الثلاث كأساس للحل في اليمن، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، مخرجات الحوار الوطني، والقرار الأممي (2216) .. مشدداً على أن السلام في اليمن لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال حل سياسي شامل ينهي الانقلاب ويعيد للدولة سلطتها الشرعية .. مؤكداً أن الحكومة اليمنية منفتحة على الحوار، لكنها ترفض أي حلول جزئية لا تعالج جذور المشكلة .. داعياً المجتمع الدولي إلى مضاعفة جهوده للضغط على الحوثيين لتنفيذ القرارات الأممية، مؤكدًا أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع.
واختتم رئيس الوزراء حديثه بتوجيه رسالة أمل للمجتمع الدولي والشعب اليمني، مشدداً على أن اليمن ليست مجرد ساحة للحرب أو قضية إنسانية، بل هي دولة ذات إمكانيات كبيرة وموقع استراتيجي يجعلها قادرة على أن تكون شريكاً فعالاً في تحقيق الاستقرار الإقليمي .. مؤكداً أن الحكومة اليمنية ملتزمة ببذل كل الجهود الممكنة لتحقيق التعافي الاقتصادي والاستقرار السياسي، داعياً الجميع إلى الوقوف مع اليمن في هذه المرحلة الحساسة لبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
- المقالات
- حوارات
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً