بعد إهدار الحوثيين مخصصات الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي بصنعاء لصالح ما أسموه مجهوداً حربياً، دخل المواطن اليمني البسيط في دوامة إفلاس الدولة، للعام الثاني.

ولندرك كارثية الأزمة المالية وانعكاسها على الوضع الانساني، يكفي أن نعلم أن الراتب يعد مصدر الدخل الوحيد لأكثر من مليون موظف يمني في القطاع الحكومي (مدني وعسكري)، وهؤلاء يعدون مصدر الدخل الأساسي للتجار والمستثمرين، الأمر الذي يضعنا أمام أزمة شلت العجلة الإقتصادية كلياً.

المعاناة الإنسانية في اليمن لم تقتصر على الموت بفعل الإشتباكات المسلحة، ولا على الأوبئة والأمراض المتفشية على طول البلاد وعرضها، بل على الجوع أيضاً، في سابقة خطيرة حذرت منها الأمم المتحدة، في بدايات الأزمة، حيث أعلنت أن حوالي 19 مليون شخصاً في اليمن يعاني من الجوع.

كما نبّهت الأمم من أن اليمن الفقير أصلاً سيشهد حالات موت جماعي لنفس السبب، ناهيك عن حالات الإنتحار التي عزتها وسائل إعلامية لرغبة أصحابها بإنهاء معانتهم من الجوع والديون المتراكمة وغيرها، وربما تكون الحادثتين الأخيرتين مرآة واضحة لحجم المعاناة التي يقاسيها اليمنيون، حيث غيب الجوع أم وأطفالها الثلاثة في صنعاء، و حالة أخرى أكثر إيلاماً في محافظة إب، حيث أقدمت أمٌ على تسميم نفسها وبنتيها "لوضع حدّ للذل في طلب الطعام".

الحالة الأمنية تدهورت مع حالة العوز التي يعانيها المواطن، فكثرت السرقات للحدّ الذي بات فيه التعدي على حرمة النساء في الشارع أمراً يتكرر سماعه بين حين وأخر، وهو الأمر الذي يعدّ عاراً إجتماعياً وقبلياً لا ترتضيه طبيعة المجتمع المحافظ.

أكاديميون واساتذة جامعات يعملون في المطاعم وعلى الدراجات النارية، وبالطبع بات الأكاديمي محظوظ في الحصول على هذه الفرصة في ظل تردي الوضع الإقتصادي برمته، فمع أنعدام المشتقات النفطية تعطلت معظم وسائل النقل والمرافق الخدمية، فلا دراجات ولا مطاعم تعمل.

كل ذلك ويواجه الموظف في صنعاء تهمة العمالة والارتزاق حين يعبر عن ألمه وغضبه وعوزه، ويطالب براتبه، كما يكون عرضةً للصلف الحوثي باعتقاله وإخفائه وتلقي ضربات المسلحين،ناهيك عن تعرض مؤسسات الدولة للاقتحام والتدمير نكايةً بموظفيها المطالبين لحقوقهم المشروعة، والأمثلة تطول في هذا الجانب، أبرزها ماحدث لموظفي مستشفى 48، المحسوبة على المؤتمر، حين نفذ موظفوها وقفة احتجاج على العبث بميزانية الدولة لصالح المجهود الحربي مطالبين بمرتباتهم، فما كان إلا أن قدمت جماعات مسلحة من ميليشيا الحوثي، واقتحمت المستشفى، واعتدت بالضرب على موظفيها، واعتقلت طاقم الإدارة فيها.

التخوين والاعتداء وتكميم الأفواه طال جميع موظفي مؤسسات الدولة، بما فيهم الصحافيين والعاملين بمنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، الذين شاركوا بالتعبير عن معاناتهم المفتعلة بسبب سوء إدارة الحوثي لصنعاء ومقدراتها.