يجمع “حي مسيك”، وهو أحد الأحياء التابعة لمديرية شعوب في أمانة العاصمة اليمنية صنعاء، بين الإرهاب والتطرف من جهة والفن والموسيقى من جهة أخرى.
ويُعد الحي اليمني ملاذًا آمنًا للعديد من أصحاب الفكر المتطرف والإرهابيين الموالين للقاعدة سابقًا ولداعش حاليًا، وفي الوقت نفسه، يقطنهُ الكثير من الفنانين والموسيقيين المحليين، إذ يشكل مصدرًا للفن اليمني الأصيل.
تسمية الحي
وتعود تسمية “حي مسيك”، الذي يبلغ تعداد سكانه نحو 1500 نسمة، حسب تعداد اليمن لعام 2004، نسبة إلى “الصحابي فروة بن المسيك المرادي”، ويضم الحي “حارة المزرعة والمشهد ومسيك الجنوبية والوسطى”.
ولا يبعد عن السفارة الأمريكية بصنعاء غير بضع مئات من الأمتار، حيثُ نالت نصيبها من مخاطر القرب من الحي، فقد شنت عليها هجمات متفرقة خلال الأعوام السابقة، اختفى منفذوها في أزقة الحي.
أجواء غير صحية
وفي “حي مسيك” تتعالى الأصوات بترديد شعار الحوثيين المعتاد أو ما يطلق عليه بـ”الصرخة” يتبعهُ إطلاق نار كثيف في الهواء، كجزء من مراسيم الوداع لقتلى الحوثيين، وهو الأمر الذي لم يلتفت إليه الكثيرون من أبناء الحي لاعتيادهم عليه.
ويقول أحد أبناء الحي، “إن كل أسبوع تقريبًا يشيع حوثي، من أبناء الحي الذين انخرطوا في صفوف جماعة الحوثي وقاتلوا في صفوفها على عدة جبهات”.
ويضيف الشاب في تصريحات لـ”إرم نيوز”، “الكثير ممن ذهبوا مع الحوثي صغار في السن وعدد قليل منهم ممن أكملوا مرحلة التعليم الأساسي، وينتمون الى أسر فقيرة وبعضهم أيتام”.
ويتابع الشاب الذي فضل عدم ذكر اسمه، قائلًا: “يتم استغلال الكثير منهم، من خلال المال والتوظيف ليتم تدريبهم والدفع بهم إلى الجبهات المشتعلة”.
وينتمي الى الحي الكثير من القيادات العسكرية، التي تأتي في الصف الثاني لجماعة الحوثي، الأمر الذي يسهل فتح مقار حوثية كما يسهل عملية تجنيد أعداد من أبناء الحي لجماعة الحوثي.
منبع العنف
ويرى الناشط المدني إبراهيم النظاري، أن “غياب الخطاب الديني المعتدل” و”انتشار الخطاب التقليدي المتطرف”، أحد أسباب وجود الجماعات المتطرفة في حي مسيك.
ومن جانبه اعتبر الكاتب والمحلل السياسي اليمني عبد الواحد الشرفي، “الحي إحدى الحاضنات الرئيسة للفكر المتطرف، والفقر والفراغ والبطالة بصفتها عوامل لا يمكن المرور منها بسهولة”، على حد تعبيره.
وكان هذا الحي الغامض، يشكل الملاذ الآمن للمتطرفين، باعتباره مركز الإنطلاق لأغلب منفذي ومدبري عمليات القاعدة التي كانت تهز العالم، وتسلط الضوء أكثر على البلد الفقير الواقع جنوب الجزيرة العربية.
ومن أبرز العمليات التي نفذت منه، استهداف سيارة مفخخة منزل القياديين الحوثيين فصيل وحميد جياش في “حي مسيك”، في شهر كانون الثاني / يناير 2015، حيثُ تبنى العملية تنظيم داعش.
ولم تكن تلك العملية الوحيدة، فقد سبقتها عشرات العمليات، وتبعتها سلسلة من عمليات التفجير والاغتيال لقيادات حوثية تقطن في الحي.
وفي شهر آب / اغسطس من عام 2015، قتل 5 عناصر من الحوثيين، بينما قتل اثنان من عناصر تنظيم القاعدة في اشتباكات في الحي.
ومنذ انقلابها على السلطة، شنت جماعة الحوثي العشرات من عمليات المداهمة لمنازل المشتبه بإنتمائهم للقاعدة في “حي مسيك”.
ومن أعنف الهجمات الانتحارية التي انطلقت من الحي، خطط لها ونفذها شباب ومراهقون كانوا يقطنون الحي، وأبرزها العملية الانتحارية التي نفذها الإنتحاري “هيثم مفرح” وسط جنود من قوات الأمن المركزي قبل يوم واحد من عرض عسكري، حيثُ راح ضحيتها أكثر من مئة قتيل والعشرات من الجرحى في شهر أيار / مايو من عام 2012.
تنظيم القاعدة
ويُعرف عن “حي مسيك” الذي يقع وسط العاصمة،أنه يتكون من طبقات اجتماعية مختلفة جاء أغلبها من الريف أو مدن خارج صنعاء، وأنه من أكثر أحياء العاصمة نشاطًا مع تنظيم القاعدة، والأكثر من حيث انخراط شبابه في الحركات الجهادية.
ويقول مسؤول أمني سابق، إن “حي مسيك كان أهم مركز لتجنيد الشباب في تنظيم القاعدة لسنوات طويلة في اليمن”.
ويضيف في تصريحات لـ”إرم نيوز”، أن 250 شابًا من القاطنين في الحي غادروا إلى العراق من أصل 1800 يمني، وقعوا تحت تأثير خطاب ديني متشدد وفتاوٍ لزعماء تنظيمات متطرفة”، موضحًا أن الحي “أعاد تشكيل قناعاتهم المتطرفة”.
في شهر نيسان/ أبريل من عام 2010، عندما فشل الانتحاري “عثمان الصلوي” في اغتيال السفير البريطاني السابق تيم تورلوت في صنعاء، أزاح الستار عن مدى تحول “حي مسيك” إلى معقل مهم لتجنيد مقاتلي القاعدة والانتحاريين.
وما إن عرفت هوية الانتحاري، حتى بدأت حملة اعتقالات طالت عددًا من المشتبه بهم في الوقوف وراء العملية في “حي مسيك”، إذ تعودت قوات الأمن مطاردة المشتبه بانخراطهم في تنظيم القاعدة في هذا الحي المعروف بفقر سكانه.
حي المطربين والفنانين
وما يقود للغرابة، هو أن الحي نفسه يجمع نحو 30 من الفنانين والفنانات في صنعاء، كما يوجد فيه أكبر تجمع لمحال بيع الآلات الفنية وتأجير مستلزمات الأعراس، ومنه بدأ أغلب فناني اليمن طريقهم نحو النجومية والطرب.
ويقول أحد سكان الحي عبد الله الدمشي، “إنه كان يسكن جوار منزله 3 فنانين انتقلوا للسكن في مناطق أخرى من العاصمة، بعد ان تحسنت أحوالهم المادية”.
واعتبر في حديثه لـ”إرم نيوز”، أن “الحي كان يشكل مكانًا ملائمًا للمطربين”، وأضاف “إلا أنه بسبب سيطرة أعضاء تنظيم القاعدة على الحي، لم يعد أمام الفنانين غير الاختفاء أو الرحيل عن هذا الحي الذي يعج بالمتشددين”.
ومن جهته عدد صاحب محل لتأجير أدوات الزينة والصوتيات المستخدمة في إحياء الأعراس اليمنية، في حديثه لـ”إرم نيوز” أكثر من عشرين فنانًا تعج الساحة الفنية في اليمن بألبوماتهم، قائلًا: “إن فناني هذا الحي، يُعرفون بإتقانهم آلة العود والصوت العذب”.
وسكن في “حي مسيك” أبرز مطربي اللون الكوكباني الشهير محمد محمود الحارثي، حتى وفاته قبل عدة سنوات، كما سكن في الحي أيضًا مطربون شعبيون، ومنهم يوسف البدجي، ويحي رسام، وإبراهيم الطائفي، وجميلة سعد، وصدام الحاج، وصفاء الخولاني، ويحيى عنبه، وعلي عنبة.
- المقالات
- حوارات
- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً