الرئيسية - منوعات - قبيلة تعيش في أكثر المناطق جحيماً في العالم ..«تفاصيل»
قبيلة تعيش في أكثر المناطق جحيماً في العالم ..«تفاصيل»
الساعة 09:29 مساءاً (الحكمة نت - متابعات خاصة:)
عندما تصل حدود أرض التوركانا، وتبدأ الانحدار إلى الوادى عبر الطريق غير الممهد تصطدم بلافتة رسم عليها عظمتان متقاطعتان وجمجمة كتب تحتها "مقبرة السائقين المتهورين" فقد دفن هنا عدد من سائقى الشاحنات الذين انقلبت سياراتهم وسقطت فى الوادي.. والحقيقة إنها أكثر من ذلك، فهذه الأرض ذات الصخور البركانية ودرجات الحرارة التى تتجاوز 45 درجة مئوية لا يمكن لإنسان المرور فيها عوض العيش أو البقاء فيها لساعات مهما توفر له من وسائل الحياة.
من يصل إلى هذا المكان يستغرب كيف يمكن لهؤلاء الناس العيش فى هذا المكان، إنهم يحلبون الصخر كما يقال، فحتى الأعشاب البسيطة لا تكاد تراها إلا قليلا ودرجات الحرارة مرتفعة دائما والأمطار القليلة لا تنزل إلا فى الفترة من إبريل حتى يوليو.
 
يذكر التوركانا فى أسطورة وجودهم فى هذا المكان، أن أصلهم يعود إلى الحبشة ويقولون إن امرأة عجوز خرجت من هناك بسبب الجفاف وقلة المطر وبدأت تبحث مع أولادها عن مكان مناسب لتستقر فيه، حتى قادتها قدماها إلى هذا المكان، وبدأت تتعيش على ما تجمعه من ما ينبت فى الصحراء من فواكه برية وغيرها، وذات يوم عثرت على ثور سمين يهيم فى الصحراء، فربطته قرب كوخها، ليتضح أن هذا الثور ملك لمجموعة أخرى من التوركانا الذين يسكنون فى أوغندا، افتقدوه فأرسلوا عددا من المحاربين يبحثون عنه حتى عثروا عليه عندها، واستغرب الزائرون الجدد كمية الفاكهة البرية المجففة التى تمتلكها هذه المرأة، فقرروا الإقامة بجوارها، ولما استبطأهم أهلهم، أرسلوا فريقا آخر من ثمانية من المحاربين ليبحثوا عنهم، وبدورهم قرر المحاربون البقاء مع من سبقوهم، وناقشوا مع من سبقوهم موضوع البقاء أو العودة إلى أوغندا، وفى النهاية اتفقوا على البقاء فى الصحراء، إلا أن كبراء القبيلة رفضوا ذلك ونشب نزاع حول تقسيم الماشية، وفى النهاية نال كل منهم نصيبه واستقر المحاربون فى صحراء التوركانا الجديدة رغما عن أنف كبار السن المبجلين.


بركان يتوسط البحيرة

 
أرض التوركانا
تقع أرض التوركانا فى شمال غرب كينيا فى المنطقة القاحلة المناخ والمتاخمة للبحيرة التى أخذت اسمها من القبيلة نفسها أى بحيرة توركانا، ويجاورهم ابناء البوكوت من الشرق والسامبورو فى الجنوب وأوغندا من الغرب وجنوب السودان وإثيوبيا من الشمال، وهم ينتمون إلى الشعوب النيلية، وثمة اختلاف على عددهم فهناك من ينزل بهم إلى أقل من نصف المليون وهناك من يرتفع بهذا العدد ليقارب المليون.
 
والتوركانا عموما هم من الرعاة شبه الرحل، خصوصا رعى الإبل والماعز ويستخدمون الحمير فى التنقل، ومن ثم فإن الحيوانات تمثل الجانب الأساس فى ثقافة هذه القبيلة، فهى لا تتوقف عند كونها مصدرا للغذاء كالحليب واللحوم ولكنها أداة للبيع والشراء وامتلاك المال، فالصبى حينما يصل مرحلة الشباب يمنح عددا من الماعز ليكون نواة قطيعه وبداية حياته الخاصة، وعدد رؤوس الماشية التى يمتلكها الشخص يحدد مكانته فى القبيلة ،كما أن ثروته من الماشية تمنحه القدرة على امتلاك اكبر عدد من الزوجات.


ريشة النعام علامة على البلوغ والتكليف

 
عادات وتقاليد 
سابقا كان مرض تصلب الفك "الكزاز أو التيتانوس" منتشرا فى المنطقة، وكان من المستحيل على المصاب به أن يأكل أو يشرب، ويظل على حاله تلك حتى يلقى ربه، لذلك توارث التوركانا عملية تكسير الأسنان التى لا تزال مستمرة حتى وقتنا هذا لإعطاء المريض الحليب أو الماء حتى يشفى من المرض.
ومن عاداتهم أن كبار السن فيهم، يكثرون البصاق على الأرض قبل بدء الكلام أو عندما يريد أحدهم أن إعطاء أهمية لكلامه، و يشتهرون باستخدام نوع من التبغ المحلى المستخرج من أشجار صحراوية، حيث يطحنوه، ثم يستنشقوه أو يخزنوه فى الفم لاستحلابه.
 
من عاداتهم أيضا أن المرأة التى تفقد طفلين بسبب الأمراض أو الحوادث أو لأى سبب آخر عليها أن تضع خرزة زرقاء فى الأذن اليسرى للطفل القادم أو تقص الجزء الأعلى من الأذن نفسها، لتمنع الموت عنه، وعليها أيضا أن تعطى الطفل لأمها لتربيه، ولا يجوز قص شعر هذا الطفل حتى تسقط أسنانه اللبنية.
 

الصورة التقليدية لفتيات التوركانا المزينات بالخرز
المرأة التوركانية 
تلعب المرأة دورا فى حياة شعب التوركانا، فهى التى تقوم بمعظم الأعمال اليومية الخاصة ببيتها وأسرتها، وأولها مهمة بناء الأكواخ التى تضطلع بها دون الرجال، ومن عاداتهم أنه إذا كان للزوج عدد من الزوجات، فإن الزوجة الأولى تبنى كوخها على يمين حظيرة الماشية، بينما تقيم الزوجات الأخريات أكواخهن على يسار الموقع، إلا أنهن جميعا يشتركن فى بناء الحظيرة من الشجيرات الشوكية، وغالبا ما يكون بابها باتجاه الشرق.
من سمات أكواخ التوركانا أنها تكون مفتوحة الجوانب، لا توفر حماية من التقلبات الجوية، كما لا توفر خصوصية أو تحفظ أسرارا، والعادة أن ينام الزوج خارجها، و الزوجة والأولاد فينامون داخلها، أما الشباب فينامون فى الحظيرة، و تقيم الشابات العازابات أكواخهن حولها.
 
تقضى النساء والفتيات يومهن فى رعاية الصغار وحلب الأبقار، بالإضافة إلى القيام ببعض الأعمال مثل مزاولة بعض الحرف اليدوية كصناعة الخرز أو الخياطة ودباغة الجلود، أما الشباب فمهمتهم الرعي.
ويلاحظ زوار المنطقة انطواء التوركانا على أنفسهم، فهم ينظرون إلى الغرباء نظرة ريبة وشك، وقد يقضى الضيف بينهم يوما كاملا من دون أن يحظى بكلمة ترحيب، ورغم فقرهم الشديد لهم أنفة خاصة، ويمنعهم كبرياؤهم قبول المساعدة أو العون من أحد، ويفسر الباحثون السبب فى ذلك إلى أنه قد يعود إلى أسلوب المعاملة القائم على الغش والخداع من التجار الأوروبيين الذين قدموا إلى المنطقة فى القرن التاسع عشر بحثا عن عاج الفيل.
يعتمد التوركانا فى علاج الأمراض والتداوى منها على الأعشاب والأشجار والصخور، فإزالة أوجاع الرأس يكون بالحجامة، وعلاج الأسنان يتم بالخلع مباشرة وبأى وسيلة متوفرة لديهم، ويتعين على من يخلعها أن يبصقها خلفه، ويدفنها فى الجهة الغربية من الكوخ، ولكن أكثر الأمراض انتشارا بينهم هو مرض الأكياس المائية الذى ينتقل إليهم عبر ماشيتهم.


تنظيف الاسنان بالأعواد الخشبية

 
عقيدتهم 
يدين التوركانا حاليا بالمسيحية وقلة منهم مسلمون، وبالرغم من ذلك لا يزال لهم ارتباط بعقيدتهم التقليدية، إذ إنه فى القرن التاسع عشر نصبوا أحد سحرتهم وكان يدعى " لوكيريو" ممثلا للإله الموجود فى السماء وحوله مئات الأبقار ترعى العشب الأخضر حسب اعتقادهم، ويعتبرون إلههم هذا مصدر البركة ومنزل الغيث من السماء، وقد أرسل "لوكيريو" إلى التوركانا ليوحدها ويبيح لها سرقة أبقار الآخرين، ويحرم على أفرادها سرقة الأبقار فيما بينهم.


فتيات بلغن مرحلة الأنوثة الكاملة

 
الزواج 
من عادات الزواج عند التوركانا أن الأم هى التى تختار عروسا لأبنها، ويستشير الأب ابنته فى أمر زواجها، ورغم ذلك فإن رأيها غير ملزم عادة ومن ثم يحق له أن يجبرها على الزواج، ولا مفر لها إذا رفضت إلا الهروب أو الانتحار.
تفضل النساء الزواج عادة من كبار السن لأنهم فى الغالب أغنياء، أو ممن له زوجات أخريات، طمعا فى توزيع المهام لما فى ذلك من راحة وتخفيف، ويدفع المهر عادة من الماشية وغالبا ما يكون 31 بقرة أو 15 جملا أو 85 عنزا بالإضافة إلى حمار واحد.
 
تتم طريقة الخطوبة عندهم بمحادثة رمزية بين والد الفتى ووالد الفتاة، يقول فيها الأول للثانى : إننى أريد استعارة ثورك، فيرد عليه والد الفتاة " لا يزال الثور صغيرا، والقصد من ذلك امنحنا الفرصة لنتداول الأمر فيما بيننا، وخلال هذه الفترة يقوم الشاب مع مجموعة من أصحابه وأقاربه بزيارة والد الفتاة وإهدائه كمية من التبغ وتيسا سمينا، وبعد الموافقة الأولية يتزين الشاب وأصحابه بالطين وقشور بيض النعام، ويذهبون إلى منزل الفتاة مرة أخرى، وقبل دخولهم لا بد من تقديم هدايا لزوجات الأب لا تقل عن ناقة، وكذلك أعمام الفتاة من بقرة إلى خمس بقرات لكل منهم، أما العمة فلها بقرة وناقة وعشر عنزات وخروفان.


بيئة البحيرة

 
بحيرة توركانا 
أما بالنسبة للبحيرة التى أخذت اسمها من اسم القبيلة فهى تقع فى الوادى المتصدع فى كينيا، وكانت تعرف سابقا باسم بحيرة رودولف نسبة إلى ولى عهد النمسا، والذى أطلقه عليها المستكشف تيليكى عام 1888. يمتد جزأها الشمالى الأقصى إلى إثيوبيا، وتُعد بذلك أكبر بحيرة صحراوية دائمة على مستوى العالم، وهى كذلك أكبر بحيرة قلوية. ومن حيث حجمها، تُعد رابعة كبريات البحيرات المالحة فى العالم، بعد بحر قزوين، ويسيك كول، وبحيرة وان ( التى تمر عبر جنوب بحر آرال المنكمش) وتحتل المرتبة الرابعة والعشرين.فى قائمة البحيرات العالمية الصالحة مياهها للشرب، غير أن ماءها ليس طيب المذاق. وهو يدعم الحياة البرية الثرية التى تعيش فى البحيرات. ومناخها حار وجاف جدًا.


الحياة هنا تبدو أكثر بؤسا من أي مكان آخر في العالم

 
تضاريسها ومناخها
تتميز البحيرة فى غالب موقعها بصخورها البركانية، أما الجزيرة الوسطى التى تقع فيها، فهى عبارة عن بركان نشط، تنبعث منها أبخرة؛ وهناك نتوءات وشواطئ صخرية فى الشاطئ الشرقى وشاطئها الجنوبي، كما تتميز كذلك بوجود كثبان وألسنة وسهول على الشاطئ الغربى والشمالى عند ارتفاع منخفض.
أما الرياح الشاطئية والرياح القريبة من الشاطئ التى تهب على البحيرة، فهى قوية جدا ، لأن البحيرة تسخن وتبرد بدرجة أكثر بطئًا من الأرض. ولذلك تهب عليها عواصف مفاجئة وقوية بصورة متكررة. 
 
تصب فيها ثلاثة أنهار (نهر أومو ونهر توركويل ونهر كيريو)، ولعدم وجود منفذ لتصريف مياهها، فإن المفقود منها يكون عن طريق التبخر فقط. ويتغير حجمها وأبعادها حسب الأحوال المناخية. فقد انخفض منسوبها، على سبيل المثال بنحو عشرة أمتار خلال الفترة الممتدة بين 1975م و1993م
وقد احتفظت البحيرة بطابعها البرى بسبب درجة الحرارة والجفاف، وصعوبة الوصول الجغرافى إليها. وتعيش فيها تماسيح النيل بكميات كبيرة. وتُعد الشواطئ الصخرية موطنًا للعقارب والأفاعي. وبرغم أنها والمناطق المحيطة بها كانت وجهة شائعة للرحلات السياحية من كل نوع تحت إشراف المرشدين وحراس البحيرة والأشخاص ذوى الخبرة، إلا أنها تشكل خطورة على السياح الفرادى الذين لا يستعينون بالمرشدين.
 
وقد أدرجت حدائقها الوطنية ضمن مواقع التراث العالمى التى ترعاها منظمة اليونسكو. منها حديقة سيبيلوى الوطنية التى تقع على الشاطئ الشرقى لها، فى حين أن حديقة الجزيرة الوسطى الوطنية وحديقة الجزيرة الجنوبية الوطنية تقعان فى البحيرة. وكل منهما معروفة بالتماسيح الخاصة بها.
وتُعد منطقة بحيرة توركانا لدى العديد من علماء الأنثروبولوجيا مهد البشرية بسبب وفرة الحفريات البشرية فيها. 


صيد السمك في البحيرة بأقدم طريقة في التاريخ

 
مهددة بالجفاف 
تواجه بحيرة توركانا حاليا مخاطر الجفاف بسبب قيام إثيوبيا بإنشاء سد جليجل جيب الثالث على نهر أومو الذى يغذيها بما نسبته 80 بالمئة من مياهها والذى بدأ فى توليد الكهرباء فى أكتوبر من عام 2015 ، إذ خلصت الدراسة الهيدرولوجية التى أجراها البنك الإفريقى للتنمية فى نوفمبر 2010 إلى أن ملء السد سيقلل من مستوى مياه البحيرة بمقدار مترين، إلا أن منظمة كينية " أصدقاء بحيرة توركانا " تمثل جماعات السكان الأصليين القاطنين حول البحيرة قالت إن إنشاء السد سيقلص من مستوى مياه البحيرة بمقدار عشرة أمتار، بما يؤثر على أكثر من ثلاثمائة ألف من القاطنين على ضفافها، إذ أن قلة تدفق المياه العذبة إليها سيزيد من نسبة ملوحتها حتى تصبح غير صالحة للشرب أو الاستعمال، فضلا عن خفض عدد الأسماك التى تمثل القوت الرئيس لعدد كبير من القاطنين حولها وسبل عيشهم، وفى النهاية سيقود السد البحيرة إلى الموت البطيء.
 
وكانت إثيوبيا قد ادعت عند شروعها فى بناء السد أنه لن يؤثر على البحيرة إلا خلال فترة ملء الخزان، أى بين موسمين وثلاثة مواسم فقط، ولكن اتضح فيما بعد أنها كانت تخطط لتحويل ما مساحته 926 ألف فدان إلى مزارع تجارية لصناعة السكر فى منطقة وادى أومو، وفقا لمقال نشرته مجلة ناشيونال جغرافيك فى الثانى من ديسمبر 2015 كتبته ساندرا بوستل بشأن تأثير السد على المجتمعات الإثيوبية الأصلية فى وادى أومو مثل قبائل : البودى والمورسى والكارو والكويجو الذين يعتمدون على زراعة الذرة والفول والرعى والصيد.
وكان موقع " أوول أفريكا " قد نقل عن توماس يلدمان، مدير إدارة القرن الإفريقى لمنظمة أوكسفام ببريطانيا قوله ” إن لدينا قلقا كبيرا حيال نسبة منسوب المياه فى بحيرة توركانا، 
وذكر الموقع أن موضوع الرى يمثل اليوم مصدر قلق كبير لكينيا ،لأن سد جيبى هو واحد من ثلاثة سدود سيتم بناؤها على نهر أومو وروافده.
وأفاد الموقع أن تلك السدود هى جزء من استراتيجية تسعى إثيوبيا لتطويرها لتصبح مصدرا رئيسا لصناعة السكر فى العالم.
 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص