في مواجهة دعاة الموت ... الموسيقى في صنعاء تواجه الحرب والجبهات
الخميس 8 مارس 2018 الساعة 16:13
تحت اشتداد وطأة الحرب يصر طلاب في صنعاء على تعلم نظرية الموسيقى ويضطرون على قطع مسافات طويلة من منازلهم إلى المنتدى سيراً على الأقدام نظراً لانعدام أجرة التنقل، ويواظبون على الحضور برغم توقعهم لأي ضربة قد يتعرض لها منتداهم في أي لحظة. إن أهدافهم ورؤاهم عابرة للحروب والكوارث وتتجاوز مأساة الظرف الراهن والطوق الحديدي المفروض عليهم.
الموسيقى في زمن الموت
يؤكد المتحدثون أن الدروس المجانية التي يتلقونها هي بمبادرة من قبل «منتدى الحداثة والتنوير الثقافي»، وكذلك من قبل مدرس الموسيقى عبدالله الدبعي، والغاية منها تتمثل في زرع البهجة في نفوس الشباب ومحاولة توطين حب الحياة في قلوبهم وثنيهم عن الذهاب إلى الجبهات.
يقول عبدالله الدبعي، مدرس الموسيقى في صنعاء، «لدينا رسالة نسعى إلى تحقيقها، وهي إيجاد فرق موسيقية مؤهلة قادرة على الإبداع وتمثيل اليمن في المحافل الدولية والمحلية، سواء استمرت الحرب أو توقفت؛ لأن الإبداع الفني لا يتأثر بالحروب والكوارث مادام الإصرار موجود لدى الإنسان، فنحن نحمل رسالة السلام والمحبة وإيماناً مني بذلك تطوعت لتدريس الشباب مجاناً».
يصر المتدربون على تلقي نظرية الموسيقى في زمن يتعالى فيه صوت الرصاص؛ لأنها من وجهة نظرهم السبيل الوحيد إلى تنمية مشاعر الحب وإعلاء قيم السلام والتسامح، وفي ذلك تقول المتدربة غادة مساعد الحسيني، «الحرب لن تصنع حدّاً لآمالنا، ولن تغتال أحلامنا، ولن تأخذ هؤلاء الشبّاب المفعمين بالموسيقى إلى جبهات القتال. الموسيقى تعمل على تنمية الحس الجمالي خاصة في زمن قل فيه الجمال»، وتؤكد أن «على صوت الموسيقى أن يعلو فوق صوت الأسلحة. وأن على النوتات الموسيقية أن تتطاير متناثرة برقة بدلاً من وحشية الشظايا»، وتضيف «أن ثمة حياة رغم الحرب. أكون في قمة سعادتي عندما أضع أصابعي فوق مفاتيح البيانو، فالبيانو هو آلة الموسيقى المفضلة لديّ، كلما لامست أصابعي آلة البيانو أنسى آلة الحرب. والموسيقى تجعل من أرواحنا البائسة المنتهكة أرواحاً جميلة كلها أمل، وأجد ذاتي وكل سعادتي في هذا المركز الموسيقي المجاني الذي قدم لي فرصة لن تتكرر. سنعزف أجمل الألحان. سنعزف الموسيقى في شوارع المدن لنرمم هذا الدمار قريباً».
مواجهة أعداء الحياة بالموسيقى
ويثير شغف الطلبة ومعلمهم على تعلم الموسيقى وتعليمها الإعجاب، فبرغم شحة الموارد وانقطاعها وعدم قدرتهم على توفير بعض النقود للتنقل يصرون على المواظبة وحضور الدروس، يقول المتدرب محمد سلطان اليوسفي، في ذلك، إن «الإصرار على تعلم الموسيقى في زمن الموت والدمار يعني لي أننا نواجه أعداء الحياة والجمال بالموسيقى والفن، يعني لي أن ثمة أناساً يعشقون جمال الحياة ويبغضون صخب الرصاص وضجيج الحرب، يعني لي أن الحياة حب وسلام وتعايش، وأن الموسيقى لغة هذا الحب الذي ينبغي أن يسكن كل قلب، حتى ينعم الناس بحياتهم بعيداً عن كل منغصات الحياة».
ويؤكد اليوسفي أن «دور الموسيقى مباشر وغير مباشر أيضاً في مواجهة الكوارث والحروب؛ لأن الموسيقى تبعث في النفس شعوراً بالراحة والاطمئنان والأمان، وتخرجك من عوالم البؤس الضيقة إلى عوالم الحب الفسيحة، ومن المعروف اليوم أن الموسيقى أصبحت دواء لبعض الأمراض العصرية، وأيضاً انشغال الشباب وتوجههم نحو تعلم الموسيقى مكسب كبير للوطن، فبدلاً من أن يزج بهم في ساحات الحروب والاقتتال ويخسرون حياتهم يبقون في أجواء الموسيقى والفن، الموسيقى لغة الجمال الذي لا يزول، لغة العصافير الصداحة، والبلابل المغردة، وعالم من الأحاسيس والمشاعر التي يفتقر إليها أعداء الحياة، المحرومون من مقطوعة حب هادئة، أو معزوفة ناي حزين».
التغلب على شح الموارد
يحاول المتدربون ومدربهم ومعهدهم التغلب على شح الموارد الشخصية والعامة أيضاً، فإن ما يتوفر في المنتدى من آلات موسيقية لا يكفي لاستيعاب عدد أكبر من المتدربين، كما أنه لا يكفي القدرة الاستيعابية المتاحة أيضاً، وفي ذلك يؤكد المدرب عبدالله الدبعي أن «عدد المتقدمين كان أكثر من 140 طالباً في البدء لكن شحّ الظروف وقلة الإمكانيات وقلة الآلات الموسيقية اضطرتنا إلى قبول 60 طالباً وطالبة فقط، نمنحهم ست محاضرات في الأسبوع».
ويؤكد ذلك المتدرب راني جمال، بقوله: «الآلات الموسيقيه غير كافيه والقاعات ضيقة أيضاً، فنحن بحاجة إلى آلات وتوفير صالة تدريب واسعة». لكن المدرب الدبعي يحاول أن يسد شيئاً من النقص ويجلب ما يتوفر لديه من آلات شخصية لطلبته، وكذلك الطلبة يحاولون التغلب على قلة ذات اليد ويذهبون إلى المعهد (منتدى الحداثة والتنوير) سيراً على أقدامهم لمسافات طويلة»، كما يؤكد راني بقوله إن «الطلبة لحبهم للموسيقى يسيرون مشياً على أقدامهم من منازلهم إلى
المعهد بالرغم من طول المسافة. لعدم توفر المادة».
وتقول المتدربة خديجة الزين «الآلات الموسيقية غير كافية، ونتمنى أن تتوفر ليمتلك كل طالب آله»، وتؤكد في حديثها أن الحرب لها تأثيراتها عليهم لكنهم يقاومونها «لتستمر الحياة»، وهو ما تؤكده جهينة عبد المنعم المفتي بقولها إن «ظروف الحرب تخنقنا، لكن أحلامنا أقوى منها ورسالتنا هي السلام والموسيقى هي من تصنع السلام»، وتؤكد أن «ظروف الحرب تؤثر على تلقينا للدروس الكافية وذلك من عدة نواح أحدها المواصلات فارتفاع سعر المشتقات النفطية يرفع من سعر المواصلات وهذا ما لا يخدم الطلاب وأيضاً رسالتنا هي إعادة النظر في المصلحة الحقيقة للوطن والشعب».
سيظل حب الحياة هو المهيمن على عقول وقلوب شباب يصرون على تعلم الموسيقى تحت صخب تحليق طائرات الموت، ويسعون إلى تعلمها في ظل ظروف مادية أقل ما يمكن أن يقال عنها صعبة جدا، لكنه الإصرار على التشبث بالجمال في زمن القبح، وعلى الحياة في زمن الموت، وعلى السلام في زمن الحرب.
(العربي)
متعلقات