تلك المخلوقات الملائكية البريئة.. ذات القلوب البيضاء والعقول البهية والعيون الحالمة والأصابع الندية.. حولتها مليشيا الإجرام الحوثية إلى لعبا نارية تشعل بها فتيل الحرب متى أرادت غير آبهة ببراءتها ولا حرمتها ولا مستقبلها .
فغدت قلوب الأطفال البيضاء، غرفا مظلمة تقطها الأحقاد المشتعلة بفعل خارجي.. وصارت عقولهم النقية حضنا لكل سموم طائفية وأفكار هدامة ترمي بها قيادات المليشيات الحوثية وسادتها الإيرانيون .
وأصبحت عيون الأطفال الحالمة، مكسوة بالظلام والتهور والموت.. لا ترى أمامها سوى الموت والدمار والخراب..
وبفعل المليشيات، رمت أصابع الأطفال الندية بألعابها وأقلام المدرسة وكتبها؛ واستبدلت بها زناد الموت والقتل والخوف والضياع!
لم يعد أولائك الأطفال يتقنون نداءات (بابا .. ماما)، إذ سُلبت منهم وأُلصِقت على عقولهم كنى وألقابا يتحلى بها قادة الحروب وعصابات الدمار؛ كـ "أبو فلان و" أبو علان".
وغابت عن أذهانهم أناشيد البراءة كـ أنشودة: "ماما وبابا أغلى النسبي .. وهما عوني عند الطلبِ" واستحضرت أذهانهم كلمات وزوامل صاخبة بالموت والدمار، من قبيل : "حيا بداعي الموت قل للمشرقي والمغربي .. حنا جنود الله بعنا بيع ما حد يشفعه" أو كما قال قائلهم: "يا ابن النبي راسي فداء راسك وروحي لك فداء..." .
كما غابت عنهم الحدائق بألعابها وبهجتها.. وحضرت أمام أعينهم الحرب بنارها وجحيمها..
لم يعودوا يروا أزهارا مفعمة بالحياة في حقائبهم المدرسية، بل رأوا أزهارا يكسوها الأسى واللا إدراك على قبور أصدقاء طفولتهم ممن سبقوهم للموت!
لم يعد الطفل الذي جندته مليشيات الموت الحوثية يحلم برؤية صورته معلقة على لوحات الشرف والتفوق في المدارس والفصول الدراسية مرفقة بعبارات التهنئة والفرح.. بل غدا يتمنى رؤية صورته معلقة على الشوارع وشاشات التلفاز تحتها عبارات النعي والبكاء!
هذه المأساة التي نتحدث عنها، عمدتها ممارسات حوثية مستميتة، صنعت على إثرها مآتم وأنتجت قبورا وقتلت الحياة وما فيها من جمال.. حين جندت آلاف الأطفال للقتال معها بطرق وأساليب شيطانية مختلفة .
فمن تجنيد بالإغراء والإرهاب.. إلى تجنيد بالتحريض عبر المدارس والمساجد.. وصولا إلى الخطف من الشوارع والمدارس والطرقات!
حقائق مكشوفة
عمدت مليشيات الحوثي الإيرانية على تجنيد الأطفال واستغلالهم وقودا لحروبها العبثية طوال تاريخها الإجرامي.. فمنذ حروب صعدة إلى حروب ما قبل الانقلاب ومرورا بمرحلة الانقلاب إلى اليوم، تستخدم المليشيات أطفال اليمن كدروع بشرية ودمى إنسانية في لعبتها القذرة .
مسؤولون حكوميون وتقارير دولية ومحلية كشفوا عن إحصائيات وطرق تجنيد المليشيات الحوثية للأطفال في حروبها العبثية .
فوزير حقوق الإنسان اليمني الدكتور محمد عسكر؛ اتهم ميليشيا الحوثي الانقلابية بالتورّط في مخالفات وانتهاكات جسيمة ضدّ الطفولة في اليمن منذ سقوط صنعاء عام 2014 حتى الآن، تنوّعت بين الخطف والقتل والإجبار على المشاركة في المعارك، ووصلت إلى حد إجبار الصغار على تعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة.
فيما كشفت الأمم المتحدة في تقرير لها عن أن أكثر من 1700 طفل في سن العاشرة تمّ تجنيدهم من قِبل الحوثيين في الحرب باليمن خلال السنوات الثلاث الماضية في الوقت الذي أشارت فيه التقارير إلى قيام ميليشيا الانقلاب بإعفاء أكثر من خمسة آلاف طالب في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم من الاختبارات بهدف تجنيدهم ودفعهم إلى جبهات القتال .
بينما كشفت مصادر حقوقية بمحافظة إب في مارس 2017 عن وجود شبكة تجنيد تتركز مهمتها على الأطفال والشباب المعوزين ومعدومي الدخل وأصحاب الحاجة.
وذكرت تقارير أخرى أن مليشيات الحوثي 100 مدرسة أهلية جديدة خلال العام 2017 فقط، بعد منح وزارة التربية والتعليم بصنعاء الخاضعة ليسطرة حكومة الانقلاب (غير معترف بها دوليا ومحليا) تراخيص مزاولة المهنة لمالكي تلك المدارس .
وقد بدأت شراهة المليشيات الحوثية بالسيطرة على التعليم بشكل عام والتعليم الأهلي بشكل خاص منذ عامي 2014 -2013م ، ففي تلك الفترة وفي عهد أمين العاصمة صنعاء السابق عبد القادر علي هلال تم منح شخصيات مقربة من جماعة الحوثي تراخيص لفتح عدد 84 مدرسة أهلية وخاصة في العاصمة بمسميات متعددة.
وفي العام 2017 عقب تولي شقيق زعيم الحوثيين وزارة التربية والتعليم، في حكومتهم الانقلابية، توسع الحوثيون في افتتاح المدارس؛ وذلك لاستغلالها في نشر أفكارهم وترسيخ معتقداتهم في النشء .
وتم منح تلك المدارس التي افتتحت مؤخرا تصاريح مباشرة من ديوان عام الوزارة بصنعاء دون الرجوع إلى مكتب التربية بالمديرية ثم مكتب التربية بالمحافظة -بحسب الإجراءات القانونية قبل الانقلاب-.
نماذج
“مدارس نوران التي تمتلكها هناء الوجيه ، ومدرسة فرسان المعرفة التي يملكها خالد الدولة ،والمدرسة التربوية التي يمتلكها مطلق الكبسي ، ومدرسة دجلة التابعة لأسماء المتوكل ” هي نماذج بسيطة لمئات المدارس الخاصة التي تمتلكها شخصيات تتبع مليشيا الحوثي في العاصمة صنعاء وفيها تُـدرس كتيبات خاصة تحرض على العنف والكراهية والولاء للحوثيين ومعادات المختلفين مع منهج الحركة الحوثية، بحسب ما أفاد موقع "المشاهد" .
عصابات
تحدثت مصادر في العاصمة صنعاء عن انتشار عصابات خطف الأطفال وصغار السن في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين.. وأكدت تلك المصادر أن أقسام الشرطة في مناطق سيطرة الانقلاب، استقبلت عشرات البلاغات من أهالي وأولياء أمور اختطف أطفالهم .
ونوهت المصادر أن تلك العصايات انتشرت وزاولت إجرامها تحت مرأى ومسمع من قيادات المليشيات الحوثية بل وتعدت ذلك في بعض الأحيان إلى حماية الخاطفين وإخراجهم من تم سجنه في بعض المناطق وإلحاقهم بجهات القتال التابعة لها .
فيما ذكر الناشط الحقوقي عرفات حمران، في تصريحات صحفية، أن "شبكة تجنيد بمحافظة إب تعمل على تجنيد الأطفال وبعض شباب المحافظة والذين يعانون شظف العيش، وهو ما يبرهن بأن المليشيا تستبيح الطفولة وتزج بها في محارق الموت"، حد تعبيره .
قصص
وكشف حمران أن أحد أقارب الأطفال (ب، م، و) أفاد بأن جماعة الحوثي وعبر عقال الحارات وزملاء الأطفال ومدراء مدارس ومدرسين تابعين لسلطة الانقلاب، بمحافظة إب، قاموا بتجنيد أطفال أعمارهم بين ( 15- و18عاما) وذلك من منطقة الجبانة العليا والوسطى التابعة لمديرية المشنة وتم تجنيد سبعة عشر طفلاً تم أخذهم خفية من أسرهم.
وأضاف حمران: وفي صبيحة يوم 25/2/2017 تم أخذ الأطفال على ظهر سيارة دفع رباعي من مدينة إب وتوجهوا بهم باتجاه مدينة ذمار كتعزيز لأفرادهم بجبهة عتمة، وعند وصولهم إلى نقيل سمارة انقلبت السيارة بهم نظرا لسرعتها الجنونية وتسبب الحادث في وفاة معظم الأطفال الذين كانوا عليها.
وقبيل تلك الحادثة بأيام قليلة ، كشفت أسرة بمديرية القفر شمالي محافظة إب عن اختطاف مليشيا الحوثي الانقلابية لأحد الأطفال والزج به في جبهات القتال دون معرفتهم واختفائه منذ أكثر من 45 يوم .
وأفادت مصادر مقربة من أسرة، بأنه يدعى هيثم السبل (14 عاما)، اختفى منذ أكثر من شهر ونصف من منطقته وتم إبلاغ الجهات الرسمية بالمديرية والمحافظة عن اختفائه بشكل مفاجئ، فيما لم تقم السلطات المحلية الخاضعة لسيطرة المليشيا الانقلابية بأي شيء في سبيل البحث عن الطفل.
وتضيف المصادر، أن معلومات وصلتهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي، تفيد بورود اسم ولدهم (هيثم) ضمن عدد من الأسماء التي تقاتل بأحد الجبهات بمحافظة تعز.
حيث نشر ناشطون محليون أسماء عدد من مسلحي المليشيا الانقلابية يتواجدون بإحدى التباب بمنطقة "لوزم ـ العدنة" وبأنهم محاصرون من قبل الجيش الوطني ، وكان اسم الطفل هيثم السبل ضمن قائمة الأسماء.
فتح البعداني وهو ولي أمر طالبة في المرحلة الابتدائية.. يروي مدى استغلال المليشيات للمدارس للتأثير على الأطفال.. حيث يقول إنه “ اضطر لنقل ابنته إلى مدرسة خاصة أخرى، بعد أن تفاجأ من حديث ابنته التي نقلته عن معلمتها بضرورة ترديد الصرخة الحوثية وعدم متابعة قناة فضائية عربية تبث أناشيد للأطفال بـحُجة أن تلك القناة “داعشية” ،ومتابعة قناة أخرى موالية للرسول.”.
وبحسب "المشاهد"، أضاف البعداني : “لم أعد مطمئنا على مستقبل تعليم ابنتي طالما ومدارسنا أصبحت مفخخة بالأفكار الطائفية المتطرفة ، يجب على كل ولي أمر أن يهتم ويتابع ما يتلقاه أبناءه في مدارسهم حتى يتدارك المخاطر قبل حدوثها .
مخاطر مستقبلية
الكاتب اليمني مروان الغفوري في مقال له بعنوان: "أطفال اليمن.. وقود الحرب للسنوات القادمة"، يقول الغفوري فيه محذرا من المخاطر المستقبيلة التي تهدد الأطفال والمجتمع بأكملة جراء عمليات التجنيد المليشاوي للطفولة:
"يقوم الحوثيون حالياً بحملة واسعة لضم المزيد من طلبة المدارس إلى صفوف الميليشيات كمقاتلين. وهناك معلومات لم تتأكد بعد عن قيام الحوثيين بدفع أطفال "دار الأيتام"، الدار الشهيرة في صنعاء، إلى جبهات القتال. بعد أشهر، تزيد أو تقل، يصبح الطفل: قاتلاً، لصاً، مدمناً، جريحاً، أسيراً، مضطرباً نفسياً، أو مقتولاً. توزعت خريطة الإصابات التي يعاني منها أطفال الحرب، ولعل أخطرها هو انهيار الصحة النفسية لطفل يخوض ويلات واحدة من أشرس الحروب، ويشترك في القتل ويرى الجثث. يصبح هذا الطفل رجلاً معتلاً نفسياً، ينقل خبرته النفسية واضطراباته إلى أبنائه، وفي الغالب قد يعجز الرجل، الذي كان طفلاً محارباً، في إنجاز أسرة مستقرة جاهزة للإنجاب" .
ويضيف الغفوري: "يقوم الإعلام الحربي الحوثي بنشر صور الأطفال الهالكين على نحو شديد الرومانسية. فالأطفال الذين حولتهم آلة الحرب إلى هريسة سوداء يوزع الحوثيون صورهم داخل أطر خضراء، مزينة بالورود، مع ابتسامات على الوجوه وأناشيد في الخلفية حول الفداء والخلود والشجاعة، تلك الصورة الرومانسية عن الطفل الشهيد، الطفل البطل، والطفل الأخضر تغوي أطفالاً آخرين، فالحرب، طبقاً لتلك الصورة، ليست أكثر من أناشيد حماسية ونهايات خضراء" .
وتابع: "يجمع الحوثيون أشلاء الأطفال المقاتلين، وهم يعلمون أكثر من غيرهم الحقيقة بمرارتها ووحشيتها. مثل أي جماعة دينية فالأطفال الهالكون هم في طريقهم لأن يصيروا طيوراً في الجنة. يترك الطفل القتيل خلفه طفلاً يتخيل جثته، وأبوين يعيدان سرد القصة عليه لسنوات. الصورة الأولى التي تصل أسرة الطفل القتيل هي تلك الخضراء المحاطة بالأناشيد والورود. لكن الأطفال الناجين من الحرب، أو الذين فقدوا أصدقاءهم الأطفال في الحرب، يجمعون الصورة الحقيقية في مخيلاتهم من مشاهداتهم لجثث أطفال آخرين. تعيش الجثث في مخيلات الأطفال الناجين لسنوات طويلة، وتتلاشى الصورة الخضراء وأناشيدها معاً. لا شيء أكثر قسوة من مشاهدة إنسان يلقى حتفه، يخوض الأطفال اليمنيون هذه التجربة، وعلى وجه الخصوص الأطفال المقاتلون، وإذا نجوا من النيران فإن عليهم أن يعيشوا بتلك التجربة الرهيبة فيما تبقى لهم من عمر" .
واستطرد الغفوري قائلا: "بعد عقود سيكون لدينا أطفال للأطفال المحاربين، سيولدون لآباء شاردين، خائفين، يعانون من اضطرابات في النوم والخيال، من خوف مستدام، ومن حساسية مفرطة لكل ما يجري حولهم. هذه الخبرة النفسية غير المستقرة ستُمرر إلى أولادهم، ما سيجعل المعضلة متفاقمة أكثر هو أن أحداً لا يفكر فيها. سيتحدث الناس عن إعادة الإعمار، ولن يشيروا إلى أجيال متتالية خربتها هذه الحرب. لا توجد، حالياً وربما مستقبلاً، بنية تحتية طبية ونفسية جاهزة لاحتواء هذه المشكلة النفسية الخاصة" .
وتستمر الجريمة إلى اليوم، بل وتزايد مؤخرا بفعل انهيارات المليشيات الحوثية في مختلف جبهات القتال وافتقارها الشديد للمقاتلين بعد خسارتها للآلاف من عناصرها وقياداتها خلال الأشهر القليلة الماضية .
وفيما تواصل المليشيات إجرامها بحق الطفولة.. يجد الأطفال أنفسهم واقعين بين جحيم التجنيد المليشاوي وبين تواطؤ المنظمات الدولية وتراخيها عن الضغط الجاد على المليشيات لوقف جرائمها وعلى رأسها رمي الطفولة في محارق الموت .