المرأة اليمنية البهائية بين الاعتقال والتنمر
الاربعاء 4 أغسطس 2021 الساعة 00:17
"ابوك كافر مرتد وسوف يعدم" لم تكن جملة سهلة ليحفظها طفل اعتقل والديه بتهمة اعتناق دين اخر غير الاسلام، لكنه حفظها لينقلها عبر الهاتف لوالدته المعتقلة في سجن الامن القومي بصنعاء. كثيرة هي الانتهاكات التي يتعرض لها البهائيون في اليمن، والتي لا تفرق بين امرأة او رجل بين طفل او كهل، وتتوزع تلك الانتهاكات جسدياً او لفظياً، من قِبل الاسرة والاصدقاء والحكومات المسيطرة على مناطق تواجد البهائيين بها. نشأة الدين البهائي تعود البدايات الأولى لظهور الدين البهائي الى الدعوة البابية سنة ١٨٤٤ والتي اسسها تاجر شاب من شيراز يدعى على محمد الملقب بحضرة "الباب". إدعى أنه يحمل رسالة مقدّر لها أن تحدث تحولا في الحياة الروحية والاجتماعية للبشر. وبشر بمجيء رسول جديد يهدي البشرية الى السلام والاتحاد والعدالة . في عام ١٩٦٣ أعلن حسين علي نوري بأنه الرسول الذي بشر به الباب. ولقب نفسه "بهاء الله". ومنذ اعلانه الدعوة تعرض للسجن والتعذيب والنفي ، نفي من ايران الى بغداد ثم الى اسطنبول وادرنه واخيرا الى سجن عكا، وفي عكا توفي سنة ١٨٩٢ بعد ان كتب بخطه العديد من الرسائل والكتب التي اصبحت المصدر الرئيس للدين البهائي. كما اصبح مقامه في عكا قبلة للبهائيين الذين امنوا بدعوته. تهم واعتقالات تحت بند التجسس روحيه ثابت، امرأة بهائية من صنعاء، ام لطفلين، تعمل رئيس مؤسسة التميز لتنمية المجتمع ومستشارة تربوية، معلمة لغة انجليزية في معهد "يالي" بصنعاء. "اعتقلت مع 67 شخص بينهم اطفال و30 امرأة بعضهن لسن بهائيات، في تجمع شبابي نظمته منظمة محلية، وكان هذا التجمع الذي تمت مداهمته من قبل الحوثيين بصنعاء، بهدف تعزيز مبادرات تنمية المجتمع المحلي وتشجيع قيم ومبادئ السلام والتعايش" كما تقول روحية. اعتقلت روحية من قبل قوات الامن القومي الحوثي في اغسطس 2016، تقول: "كانت مداهمة مسلحة عنيفة ومهينة، وتلقينا الفاظ مسيئة وصرخات مرتفعة بكل عنجهية وغطرسة، وكأنهم داهموا مقر خلية ارهابية جاسوسية، لأول مرة نشاهد مداهمة وبهذه الطريقة". وتضيف: " كانوا يعلمون ان هذا التجمع هو تجمع مسالم ولا احد يحمل السلاح، وفي وضح النهار، وسط حي حيوي وليس بالخفاء، وقد وجهت لنا اتهامات عدة اولها اننا "بهائيون ومؤمنون بالدين البهائي. السلطة الحوثية تعتبر البهائيين مرتدون عن الاسلام ويهددون ويخالفون ويشوهون الاسلام، وخلايا جاسوسية لإسرائيل. تم اعتقالنا في مقر الامن القومي في صرف لمدة شهر". لم تكن تعلم روحيه بأن اسرهم تم اعتقالها، تم التواصل مع زوجها ومع اخيها وابلغوا انه يجيب عليهم الحضور لأخذ زوجاتهم من مقر الاعتقال، وعند حضورهم قبض عليهم، بينما كانت تظن ان زوجها في المنزل يعتني بأطفالهم، لم تكن تعلم انه قد تم اعتقاله لاحقاً. "بعدها بفترة ذهبت قوات تابعة للأمن القومي الى منزلنا ونهبوا كل شيء بداخله، واثناء رؤية ابن روحيه لاحد الضباط في المنزل سألهم اين ابي؟ اجابه بالقول: (ابوك كافر مرتد وسوف يعدم)". هكذا تقول روحيه. معاناة الاعتقال تصف روحيه ايام الاعتقال بالتعذيب النفسي، وتقول: "يتم التحقيق معنا لساعات طويلة يبدأ احيانا بالليل وينتهي الفجر، لم نكن نعلم كم التوقيت ولا يحق لنا السؤال" "كانوا يأتوا احيانا لمناداتنا من الخارج بأسمائنا أثناء نومنا، فننهض ونتجهز ظناً أنهم سيأخذونا للتحقيق، وننتظر ولا يأتي احد، او يطرقون بوابة الزنزانة بقوة لأفزاعنا." تم الافراج عن روحيه وزميلتها من السجن ووضعهن تحت الاقامة الجبرية في منازلهن، تقول ورحيه: "كان القصف شديد جداً خاصة في منطقة عطان الذي كان منزلنا فيه، ترجيتهم في السجن كثيراً لإخراجي او اخراج زوجي ليكون احدنا مع الاطفال اثناء القصف، وبعد اسبوع وافقوا ان يخرجوني انا وزميلتي تحت الاقامة الجبرية. وقبل خروجي وقعت على تعهدات بأنني لن امارس أي نشاطات دينية، ولا استمر بمهنتي، واثناء تواجدي بالسجن داهموا مقر المنظمة التي أسستها وأمارس عملي من خلالها ونهبوا كل ممتلكاتها". تقول روحية: "انا من اسرة بهائية، رسخ فيهم من الطفولة حب الانسانية جمعاء، وعندنا قبول واحترام لكل الاديان والرسل واتباعهم، كنا نشارك جيراننا واصدقائنا مناسباتهم الدينية، وندعوهم لان يحضروا الفعاليات والمناسبات الدينية البهائية". عملت روحيه رئيس مؤسسة التميز للتنمية، تقوم المؤسسة بمشاريع تنموية قصيرة وطويلة الامد مثل تمكين قدرات الشباب والنساء لتعزيز دورهم الحيوي ونشر السلم الاجتماعي و نشر ثقافة التعايش ورفض جميع أشكال الصراع والتعصب الديني و المذهبي في المدن والقرى على مستوى اليمن، استمرت الانشطة لمدة 17 عام حتى 2016 وتوقفت. تختم روحية: " في ابريل 2017 حدثت حملة اعتقالات جديدة استهدفت عشرات البهائيين وكنت انا وزوجي ضمن المطلوبين، غادرنا منزلنا وتنقلنا من مكان لأخر حتى استطعنا الخروج من اليمن. حاليا يتم محاكمتنا في صنعاء غيابيا بتهمة التجسس والتآمر على اليمن ولم تغلق القضية حتى الان رغم اعلان قرار العفو في مارس ٢٠٢٠". يعرف ان اليمن هي حاضنة للثقافات والاديان والتنوع الفكري والاجتماعي، فالبهائيين موجودين في اليمن منذ 170 عام، وهم من مختلف مكونات وقبائل المجتمع اليمني، ومعروفين بولائهم وحبهم وخدمتهم للوطن. وان مجرد ايمانهم واعتقادهم بالبهائية لا يغير من ثقافتهم ولا من هويتهم الاجتماعية، ويعيشون جنباً الى جنب مع بقية المجتمع. يقول الناطق الرسمي بإسم البهائيين عبدالله العلفي ان سبب استهدف الحوثيون للمرأة البهائية هو لأنها قيادية، فبعد اعتقالات ٢٠١٦ وجهت النيابة مذكرة اتهام ضد ٢٤ بهائيا في ٢٠١٨ بينهم ثمانية نساء وطفلة دون الثامنة عشرة بتهمة التجسس والردة وهي تهم عقوبتها الاعدام، بالإضافة الى الإفك على الدين البهائي بأنه يدعو الى الاباحية والانحلال لغرس فكرة سيئة عن المرأة البهائية في أذهان المجتمع فتتعرض للمضايقات حيثما عُرفت أنها بهائية. التهم بالشرف والتنمر ريمي "اسم مستعار" شابة يمنية تبلغ من العمر عشرون عاماً، من محافظة صنعاء وتعتنق الدين البهائي، تعلقت ريمي بالكتابة الادبية والمقالات التي تحاول من خلالها ان تطرح قضايا ومواضيع تجذب القاريء ويستمتع بقراءتها، لم تكن تعلم بأن كتاباتها سوف تعرضها لسوء المعاملة والتنمر من زملائها ومعلميها. تقول ريمي: "كنت ادرس في احدى جامعات صنعاء الخاصة، قسم العلوم السياسية وكنت الفتاة الوحيدة بين عشرين طالباً، وفي احدى المحاضرات طُلب منا ان نقدم أي نوع من كتاباتنا، وقد شعرت حينها بالسعادة انني سوف اطرح مقالاً يتناول فيه بعض الاشياء الخاصة التي أؤمن بها. اكملت قراءة المقال واعجبت دكتورة المادة بما قدمت، ولكن لم اكن اعلم بأن زملائي بعد تلك الدقائق سيبحثون عني ويعلموا انني بهائية". ترصد زملاء ريمي بها، واصبحوا يتهموها بأنها انسانة غير سوية، وان الدين البهائي الذي تنتمي له يدعوا للفسق والانحطاط، ويحلل زواج المحارم والعلاقات المحرمة، كما كان يقال لها من قبلهم. روت ريمي قصتها وهي تشعر بالأسى الشديد لما حدث لها، فقالت:" عرض علي احد الزملاء الزواج به ، قال انه سيهتم بي وبديني البهائي وربما يصبح بهائياً ايضاً.. كنت اعلم انه يستهزأ ويريد فقط ان يدخلني في امور غير سوية معه، فرفضته، وبدأ بمضايقتي اكثر. زميل اخر قام بنشر صور لي ولوالدي واخوتي على صفحة الفيسبوك والكتابة عنا بطريقة مسيئة للضغط علي. اخرون كانوا يطلبون من زميلاتي في الجامعة عدم مصادقتي لأنني بهائية، ويشوهون سمعتي بأشياء ليست في ديننا ولا نعلم من اين جاؤوا بها". احد الدكاترة منع ريمي من حضور محاضراته بعد علمه بأنها تنتمي للبهائية، وكانت تتعرض للالفاظ البذيئة اثناء ذهابها لزيارة والدها المعتقل في احد سجون صنعاء من قبل الحراس لمعرفتهم انها بهائية. تستذكر ريمي كل ما حدث لها في السنة الاولى من دراستها، وتشعر بالحزن، تطمح ان تكمل دراستها وتعود الى اليمن وتحقق حلمها، وهي تحمل معها شهادات مشرفة في حقوق الانسان والقانون الدولي. يقول العلفي: "المرأة البهائية بشكل عام تتمتع بمكانة عالية في الدين البهائي، فالدين البهائي يأمر بالمساواة بين النساء والرجال ويحث على اهمية دور المرأة في تنمية المجتمع وتحقيق السلام، كما يأمر بإلزامية تعليم الابناء مع الاولوية للفتيات، لذلك كانت المرأة البهائية من أوائل الكوادر النسائية التي خدمت اليمن في مختلف مجالات التنمية. التحريض ضد البهائيين بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء ازدادت وتيرة الاضطهاد الممنهج والمنظم على البهائيين، وبث الحوثيون حملة تحريضية على كراهية البهائيين ما أدى الى مزيد من معاناتهم. يقود عبدالملك الحوثي، زعيم جماعة الحوثيين "انصار الله"، عملية التحريض على كراهية البهائيين، ذكرهم في ثلاث من خطاباته. ففي 2017، قال ان البهائيين يتلقون المال والدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل. وفي 2018، وصف البهائيين بأنهم “حركة شيطانية” و”يخوضون حربًا ضد الإسلام”. وفي 2021، ألقى كلمة قال فيها إن الأمريكيين يحاولون خلق ديانات جديدة في اليمن لقمع صعود الإسلام، معتبرًا البهائية إحدى هذه الديانات. يقول العلفي: "يدعي الحوثيون ان البهائية نشاط ترعاه اسرائيل، وهذا افتراء ليس له أساس من الصحة ، ولا توجد أي ادلة على ذلك". ويضيف، "تعتمد نظرية الجماعات الدينية السياسية "الاحزاب" في بناء الدولة على النظرية الدينية، لذلك يرون أي دين آخر عدو يهدد مصالحهم في الحكم. الحوثيون يحاربون كل من يخالفها، فضلا عن ارتباطهم بالنظام الإيراني، ان اضطهاد البهائيين في اليمن هو امتداد لنفس الاضطهاد في ايران". البهائية في اليمن يشكّل البهائيون أقلية دينية في اليمن شأنهم شأن اليهود والمسيحيين، فضلاً عن بعض الطوائف الإسلامية كالطائفة الإسماعيلية. يقول العلفي: " البهائيون في اليمن هم من أبناء القبائل والأسر اليمنية المعروفة ومن مختلف المدن والمحافظات، الذين آمنوا بالدين البهائي " ويضيف " بداية وجود الديانة البهائية في اليمن تعود الى منتصف القرن ال 19، عندما مر حضرة "الباب" من المخاء عبر الساحل اليمني الغربي اثناء رحلته الى مكه. وخلال رحلته تعرف عليه العديد من اليمنيين وآمنوا بدعوته ، وبعد اعلان بهاء الله للدين البهائي ونفيه الى عكا التي توفي فيها. اصبحت عكا قبلة البهائيين وموطن مقدساتهم التي يحجون اليها، وكانت مواني اليمن تشهد مرور أعدادا متزايدة من المؤمنين الأوائل بالدين البهائي، وبذلك استمر احكاك اليمنيين بالمؤمنين البهائيين الذين بفضلهم تجذر الايمان البهائي في اليمن وتمددت اغصانه لتصل الى اغلب المحافظات اليمنية". ولا توجد ارقام محددة لعدد البهائيين في اليمن، حيث يتراوح عددهم بين 1000و3 آلاف شخص، بحسب موقع المصري اليوم الاخباري. المجتمع البهائي العالمي "يتواجد الدين البهائي في أكثر من 100,000 بلدة وموقع على امتداد كافة دول وأقاليم العالم تقريبا" من بينها الدول العربية. وتؤكد المصادر ان البهائيين في جميع انحاء العالم ينحدرون من اصول دينية وعرقية مختلفة. كما أن الدين البهائي معترف به رسمياً في العديد من الدول، ومُمثّـل تمثيلاً غير حكومي في هيئة الأمم المتحدة. تختلف تقديرات العدد الحالي لاتباع الديانة البهائية على مستوى العالم، حيث تتراوح بين 5 إلى أكثر من 7 ملايين شخص. وعلى الرغم من انتشار الدين البهائي في دول عدة حول العالم الا ان معتنقيه في اليمن يتعرضون للتمييز والعنصرية والانتهاكات المستمرة مما يضطرهم لمغادرة بلدانهم قسراً بحثاً عن الامان والاستقرار.
متعلقات