تقرير : إيهاب الشرفي
في ظل الأوضاع السياسية المعقدة والملفات الشائكة على المستوى المحلي والإقليمي الذي تمر به اليمن منذ أكثر من ثمان سنوات ، خاصة بعد الإنقلاب الحوثي على الشرعية والدولة ، الذي ساهم في ظهور تحالفات و تكتلات جديدة لقوى إجتماعية و سياسية كانت نوع ما مطمورة أو خاملة تحت سطوة الحكم الفردي المركزي الذي أتاح لمجتمع واحد فرض الهيمنة المطلقة على بقية المجتمعات المختلفة بالساحة المحلية ، وهو الأمر الذي أفضى إلى تفجر التشكيلات العسكرية و التوجهات السياسية ذات الأجندات المختلفة ، و بروز ظاهرة البورجوازية المتشددة و الصراعات السياسية و الأطماع الحزبية وغير ذلك من القضايا التي أدت بمجملها إلى مزيد من التعقيد للملف اليمني .
تقاطع المصالح الدولية :
بالإضافة إلى المطامع الإقليمية والدولية ، و تقاطع المصالح العالمية في الجغرافيا اليمنية ، التي تحتل موقع إستراتيجي شديد الأهمية لطرق التجارة العالمية و الملاحة البحرية التي تمر عبر باب المندب ، الذي يمثل نقطة الإرتكاز للتحكم بالبحر الأحمر و كذا بمرور ثلثي التجارة العالمية من النفط والغاز و السلع المختلفة ، بالإضافة إلى الموقع العسكري شديد الأهمية لجزيرة سقطرى التي تعتبر ملتقى العصب البحري للبحار السبعة الرئيسية بالكرة الأرضية ، ناهيك عن المخزون العملاق من النفط والغاز في باطن الأراضي اليمنية بحسب الكثير من التقارير الدولية ، ما يجعل من اليمن نقطة هامة لتقاطع المصالح بين مختلف القوى العالمية والإقليمية .
حنكة قيادية غير مألوفة :
رغم كل ذلك أظهر الرئيس هادي حنكة قيادية غير مألوفة في إدارة الملف اليمني بالغ التعقيد ، في منعطف تاريخي شديد الخطورة يستدعي التعامل معه بحذر شديد وحكمة سياسية تتلائم مع حجم المرحلة و تضمن خروج آمن للدولة و مكتسباتها التاريخية العريقة بما يحقق تطلعات الشعب اليمني و يلبي إحتيجات الأجيال القادمة ، وهو ما ظهر من خلال التعامل الحكيم و الحرص الكبير من قبل القيادة المركزية للدولة اليمنية التي تعاملت وما تزال مع الأزمة الراهنة و تعقيداتها الشائكة بهدف إبقاء السياسة اليمنية على مسافة واحدة من كل قوى الصراع والنفوذ في العالم و هو ما سينعكس على مستقبل اليمن السياسي و الإقتصادي وتحالفته الدولية .
رئيس حكومة تكنوقراطي :
ذلك ما ظهر جليا من خلال إختيار هادي لرئيس حكومة تكنوقراطي ، بهدف خلق توازن سياسي و إجتماعي بالداخل اليمني و السيطرة على التدهور الحاد للإقتصاد الوطني و الأزمة الإنسانية المتفاقمة في الساحة المحلية بفعل إستمرار الحرب العسكرية مع مليشيات الحوثي الإنقلابية ، وكذا لتعزيز تواجد الدولة في المناطق المحررة لإفساح المجال أمام تعزيز التعاون المشترك بين اليمن و بقية دول العالم ، وهو ما ترجمته الزيارات الدولية المكثفة إلى العاصمة المؤقتة عدن خلال الفترة القليلة الماضية ، كان أبرزها الوفدين الأمريكي والروسي ، التي تمكن من خلالها الدكتور معين عبدالملك بصفته رئيس الحكومة من تغير النظرة الشاملة للمجتمع الدولي تجاه الأزمة اليمنية ، بالإضافة إلى ان ذلك ساهم في رسم الخطوط العريضة لمستقبل اليمن الجديد ، كما نجح في السيطرة على التدهور الحاد للإقتصاد الوطني و حافظ على قيمة الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية .
أبعاد سياسية دولية معقدة :
في الحقيقة هناك أزمة إقتصادية و إنسانية حادة تعصف بالبلاد بفعل الحرب المستمرة منذ أكثر من أربعة أعوام ، إلى جانب تنامي الإستياء الشعبي من طول أمد هذه الحرب ، والأسئلة المتكررة لماذا وكيف ومتى ستنتهي ؟؟ بالإضافة إلى الريبة والشك من شحة ظهور رئيس الجمهورية وعودته الدائمة إلى أراضي الوطن !! ، وهنا يمكن القول أن التعقيدات الكبيرة و الملفات الشائكة التي تحيط بالمشهد اليمني محليا و دوليا ، تحتم على الرئيس هادي التعامل معها بحذر شديد و بتريث وصبر ، نظرا للأبعاد السياسة لهذه التعقيدات ، التي تشترك في تفاصيلها كبرى الدول العالمية مثل روسيا والصين و الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا و فرنسا و إيران و المصالح العربية المشتركة بما في ذلك المصالح الخليجية و تعقيداتها المنفصلة و المعروفة (بالأزمة الخليجية مع قطر) وغير ذلك من الملفات السرية بالغة التعقيد .
صراع المصالح والنفوذ العالمي :
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصراع الدولي و المنافسة الإقتصادية بين القوى العظمى ، و التوترات التي تعصف بالعالم مؤخرا ، مثل صراع السيطرة على الموانى و الأزمة المتفاقمة بين المعسكرين الغربي و الشرقي على خلفية طريق الحرير للعملاق الصيني ، كل تلك العوامل ألقت بضلالها على السياسة اليمنية و بالتالي ضيق الأفق في إتخاذ القرارات والإجراءات المصيرية فيما يخص الوضع اليمني برمته ، في ظل هذه الظروف العصيبة التي يشهدها العالم وتوسع رقعة صراع المصالح والنفوذ العالمي ، ومن ذلك ازمة جزيرة القرم و الثورة الجزائرية و الأزمة الليبية و الملف السوري و الأزمة الخليجية و التوسع الإقتصادي الصيني و أزمة ميناء جوادر الباكستني ، و صراع الهيمنة الصينية الغربية على قارة أفريقيا ، وغير ذلك من الملفات الشائكة على مستوى العالم والتي بالضرورة ينعكس أثرها على القرار اليمني و فقا لهذه الصراعات والخلافات السياسية العالمية .
جهود جبارة في مواجهة الأخطار و المطامع :
وهنا يمكن القول بأن رئيس الجمهورية والقيادات العليا للحكومة الشرعية تبذل جهود جبارة في مواجهة الأخطار و المطامع الدولية و كذا الخلافات والصراعات على الساحة المحلية ، بالإضافة إلى مجابهة التحديات والصعوبات الإقتصادية والإنسانية المتفاقمة بالداخل اليمني ، وكذا تشق الطريق نحو إرساء قوائم اليمن الإتحادي الجديد من ستة أقاليم ، وفقا للمرجعيات المتفق عليها و الآلية التنفيذية لمخرجات الحوار الوطني التي أجمع عليها كل مكونات الشعب اليمني ، وبالتالي فإن أربع سنوات من الحرب والدمار في اليمن و الملفات المعقدة والشائكة ذات الصلة ، والغموض الذي يحيط بالمشهد الكلي لهذه الأزمة ، إلا أن الرئيس هادي لم يقدم أي تنازلات من شأنها الإضرار بالمصالح الوطنية أو السيادة اليمنية مستقبلا ، وذلك ما يفسر أحد الأسباب الرئيسية المساهمة في عدم الحسم التام للأزمة اليمنية حتى الان !!.