أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، أمس (الاثنين)، تأجيل انتخابات الرئاسة المقررة في 18 أبريل (نيسان) المقبل، متعهداً بعدم الترشح للاستحقاق المقبل الذي ستحدد تاريخه «ندوة وطنية شاملة»، يُعتقد أنها ستنظم قبل نهاية العام. وفي السياق نفسه، أعلنت الرئاسة استقالة الحكومة، بقيادة رئيس الوزراء أحمد أويحيى، الذي خلفه في هذا المنصب نور الدين بدوي وزير الداخلية. وجاءت قرارات الرئيس بعد 3 أسابيع من احتجاجات كبيرة في الشارع، عبّر خلالها مئات الآلاف من الجزائريين عن رفضهم لـ«العهدة الخامسة». وفور إعلان قرارات بوتفليقة، سُجّل خروج مجموعات من الشبان الجزائريين إلى الشوارع احتفالاً بنزول رئيس الجمهورية عند مطالبهم بعدم الترشح.
وقال بوتفليقة في «رسالة إلى الأمة»، نشرتها وكالة الأنباء الحكومية مساء أمس، إنه يعرض «على عقول وضمائر الجزائريين 7 قرارات» جاءت كالتالي: أولاً «لا محل لعهدة خامسة، بل إنني لـم أنوِ قط الإقدام على طلبها، حيث إن حالتي الصحية وسنّي لا يتيحان لي سوى أن أؤدي الواجب الأخير تجاه الشعب الجزائري، ألا وهو العمل على إرساء أسس جمهورية جديدة تكون بمثابة إطار للنظام الجزائري الجديد الذي نصبو إليه جميعاً»، وثانياً «لن يُجرَ انتخاب رئاسي يوم 18 من أبريل المقبل، والغرض هو الاستجابة للطلب الـمُلِح الذي وجهتموه إليّ، حرصاً منكم على تفادي كل سوء فهم، في ما يخص وجوب وحتمية التعاقب بين الأجيال الذي التزمت به». أما القرار الثالث، فجاء فيه: «عزماً مني على بعث تعبئة أكبر للسلطات العمومية، وكذلك لمضاعفة فعالية عمل الدولة في جميع المجالات، قررت أن أُجري تعديلات جمة على تشكيلة الحكومة في أقرب الآجال. والتعديلات هذه ستكون رداً مناسباً على الـمطالب التي جاءتني منكم، وكذلك برهاناً على تقبلي لزوم المحاسبة والتقويم الدقيق لـممارسة الـمسؤولية على جميع الـمستويات، وفي كل القطاعات».
وفي القرار الرابع، تحدث بوتفليقة عن «ندوة وطنية جامعة مستقلة، ستكون بمثابة هيئة تتمتع بكل السلطات اللازمة لتدارس وإعداد واعتماد كل أنواع الإصلاحات التي ستشكل أسس النظام الجديد الذي سيتمخض عنه إطلاق مسار تحويل دولتنا الوطنية، هذا الذي أعتبر أنه مهمتي الأخيرة التي أختم بها ذلكم الـمسار الذي قطعته بعون الله تعالى ومَدَدِهِ، وبتفويض من الشعب الجزائري».
وخامساً، أعلن بوتفليقة أنه «سيُنظَّم الانتخاب الرئاسي عقب الندوة الوطنية الجامعة الـمستقلة، تحت الإشراف الحصري للجنة انتخابية وطنية مستقلة، ستُحدد عهدتها وتشكيلتها وطريقة سيرها بمقتضى نصّ تشريعي خاص، سيستوحى من أنجع وأجود التجارب والـممارسات الـمعتمدة على الـمستوى الدولي». وسادساً «بغرض الإسهام على النحو الأمثل في تنظيم الانتخاب الرئاسي، في ظروف تكفل الحرية والنزاهة والشفافية، ولا تشوبها شائبة، سيتم تشكيل حكومة كفاءات وطنية تتمتع بدعم مكونات الندوة الوطنية. والحكومة هذه ستتولى الإشراف على مهام الإدارة العمومية ومصالح الأمن، وتقدم العون للجنة الانتخابية الوطنية الـمستقلة. ومن جانبه، سيتولى الـمجلس الدستوري، بكل استقلالية، الاضطلاع بالمهام التي يخولها له الدستور والقانون، في ما يتعلق بالانتخاب الرئاسي». وتعهد بوتفليقة في القرار السابع «بألا أدخر أي جهدٍ في سبيل تعبئة مؤسسات الدولة وهياكلها ومختلف مفاصلها، وكذلك الجماعات، من أجل الإسهام في النجاح التام لخطة العمل هذه».
وقال بوتفليقة في رسالته: «تمُرُّ الجزائر بمرحلة حساسة من تاريخها. ففي الثامن من شهر مارس (آذار) الجاري، وفي جُمعة ثالثة بعد سابقتيها، شهِدت البلادُ مسيرات شعبية حاشدة. ولقد تابعـتُ كل ما جرى، وكما سبق لي أن أفضيت إليكم في الثالث من هذا الشهر، فإنني أتفهمُ ما حرك تِلكَ الجُموع الغفيرة من المواطنين الذين اختاروا هذا الأسلوب للتعبير عن رأيهم، ذلكم الأسلوب الذي لا يفوتني مرة أخرى أن أنوه بطابعه السلـمي». وأوضح أنه «يتفهم على وجهِ الخصوص، تلك الرسالة التي جاء بها شبابنا، تعبيراً عما يخامرهم من قلق، أو طموح بالنسبة لمستقبلهم ومستقبل وطنهم. وأتفهَّمُ كذلك التباين الذي وَلَّدَ شيئاً من القلق، بين تنظيم الانتخابات الرئاسية في موعد مناسب تقنياً، من حيث هو معلـم من معالم حكامة الحياة الـمؤسساتية والسياسية».
وفي سياق ذي صلة، قدم أويحيى استقالة حكومته رسمياً، وتم تكليف وزير الداخلية نور الدين بدوي بمهمة رئيس وزراء، وتعيين مستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية رمضان لعمامرة نائباً لرئيس الوزراء. كما تم حل «الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات»، التي يرأسها عبد الوهاب دربال.
وأعلنت الرئاسة، في بيان، أن بوتفليقة استقبل الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني قائد أركان الجيش «وخلال هذا اللقاء، قدم الفريق أحمد قايد صالح تقريراً حول الوضع الأمني على المستوى الوطني، لا سيما على طول الحدود».
كما أعلنت وكالة الأنباء الجزائرية أن الرئيس بوتفليقة استقبل أيضاً الدبلوماسي السابق الأخضر الإبراهيمي، الذي صرّح بأنه «نظراً إلى الوضع الذي تمر به البلاد، أخبرني (الرئيس) ببعض القرارات المهمة الذي هو بصدد اتخاذها»، علماً بأن تقارير مختلفة تفيد بأنه سيلعب دوراً بارزاً في المرحلة المقبلة. وتحدث الإبراهيمي عن «مرحلة جديدة بناءة ستبدأ في مستقبل قريب ستعالج الكثير من مشكلاتنا». وأضاف أن «الشباب الذين خرجوا في شوارع بلدنا تصرفوا بمسؤولية أثارت إعجاب الجميع في الداخل والخارج». وكان آخر منصب شغله الإبراهيمي هو مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا، قبل أن يستقيل منه نهاية مايو (أيار) 2014، وهو حالياً عضو في مجموعة «حكماء الاتحاد الأفريقي» و«لجنة الحكماء» التي أسسها الراحل نيلسون مانديلا.
وجاءت قرارات بوتفليقة مساء أمس بعد يوم شهد انضمام الآلاف من المنتسبين لـ«أسرة القضاء» للمظاهرات والمسيرات المناوئة لـ {العهدة الخامسة} في أنحاء البلاد. كما أعلن المئات من أئمة المساجد عن مظاهرة ينوون تنظيمها أمام «المجلس الدستوري» لمطالبته برفض ملف ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي عاد أول من أمس، من رحلة علاج إلى سويسرا دامت أسبوعين.
وقال القاضي السابق عبد الله هبول إن الرئيس يمكنه سحب ترشحه للرئاسة، ولكن لا يجوز له دستورياً تأجيل الانتخابات، وتساءل: «ما ذنب بقية المترشحين (وعددهم 21) الذين أودعوا ملفات ترشيحاتهم بالمجلس الدستوري؟».
والتقى قضاة ومحامو وكتاب الضبط أمس أمام «مجلس قضاء العاصمة»، الذي يضم عدة محاكم، مرتدين لباس الوظيفة، وحاملين لافتات منددة بـ«الدوس على القوانين والدستور»، في إشارة إلى مرض الرئيس بوتفليقة، علماً أن اللياقة البدنية شرط أساسي للترشح للرئاسة، حسب قانون الانتخابات. ودعا المحتجون «المجلس الدستوري» إلى رفض ملف ترشح بوتفليقة، الذي لم يودعه لديه بنفسه على خلاف ما ينص عليه قانون «المجلس الدستوري»، وهو مطلب نزل عنده رئيس الجمهورية في قراراته أمس. يشار إلى أن الأربعاء، هو آخر أجل لعرض نتائج دراسة ملفات المترشحين للرئاسية، وعددهم 21، أغلبهم من المغمورين في عالم السياسة، من بينهم اللواء المتقاعد علي غديري الذي غادره غالبية مساعديه، رافضين الاستمرار في مسار الانتخابات (التي أرجأها بوتفليقة في سلسلة قراراته أمس).
وقبل صدور القرارات الرئاسية، شهدت كل محاكم البلاد شرقا وغربا، وفي وسطها وجنوبها، احتجاجات حادة للمحامين والقضاة. وجرت أكبر مظاهرة بمحكمة بجاية (250 كلم شرق)، وهي منطقة معروفة بالاحتجاج ضد السلطات على مدار العام. وقال مبروك يسعد، قاضي بجاية لـ«الشرق الأوسط»: «لم يكن ممكنا أن نبقى على هامش حراك الشارع الثائر، لم يكن ممكنا نحن القضاة الذين نصدر أحكاما وقرارات باسم الشعب الجزائري، أن نبقى بعيدين عن همومه وانشغالاته». يشار إلى «النقابة الوطنية للقضاة» الموالية لوزير العدل طيب لوح، تظل صامتة حيال الأحداث التي دخلت أمس يومها الـ18.
وأعلن المرشح الرئاسي فوزي رباعين، رئيس حزب «عهد 54»، سحب ترشحه إيذاناً بانحيازه لموجة الغضب الرافضة تنظيم الانتخابات. وشارك رباعين في 4 رئاسيات متتالية.
من جهتهم، أعلن 15 برلمانياً ينتمون لثلاثة أحزاب إسلامية، هي «حركة النهضة» و«حركة البناء» و«جبهة العدالة والتنمية»، في بيان، استقالتهم من «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية الأولى). وذكر البيان أنه «بالنظر إلى الحالة التي آلت إليها البلاد، والتزاماً من المجموعة البرلمانية للاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء بتعهداتها، أمام الشعب الجزائري فإننا نؤكد مساندتنا للهبة الشعبية، وتثميننا لمشاركة نواب المجموعة، في مختلف المظاهرات منذ بدايتها وإصرارنا على إنجاح كل المبادرات الجماعية في المعارضة البرلمانية، والتي كان آخرها مقاطعة جلسة يوم الاثنين 11 مارس (آذار) 2018، والعمل على تفعيل كل الأشكال القانونية في مسايرة الحراك والعمل على إنجاح مطالبه، وعلى رأسها رفض (العهدة الخامسة). كما ندعو مؤسسات الدولة إلى ضرورة التجاوب الفوري مع المطالب الشعبية، وتحمل مسؤولياتها وعدم الالتفاف عليها».
وكشف نواب الحزب العلماني «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، في بيان، عن مشاورات مع كتل برلمانية لأحزاب المعارضة، وهي أقلية، «بهدف التوصل إلى موقف موحد يدعم الحركة الاحتجاجية الشعبية، التي تبحث عن تغيير النظام السياسي الذي سلب الجزائريين استقلالهم». وأوضح البيان أن نواب «التجمع يباركون الحركة التاريخية غير المسبوقة، التي انخرطت فيها جميع الفئات الاجتماعية والمناطق الأكثر عزلة في البلاد، والتي تدعو بطريقة سلمية وهادئة، وباستماتة وعزيمة ثابتة، إلى رفض مسار انتخابي مغشوش جعل المواطنين يشعرون كأنه إهانة لهم. وأهمّ من ذلك، أن رفض هذا الاستحقاق الانتخابي يعبّر بقوة عن الرغبة في إحداث تغيير جذري للنظام السياسي القائم منذ الاستقلال».
وطالب برلمانيو «التجمع»، بإلغاء انتخابات 18 أبريل (نيسان) المقبل، و«التفرغ لتنصيب هيئات قيادية توافقية لفترة انتقالية، تسهر على توفير شروط العودة الحقيقية إلى سيادة الشعب. ويقتضي ذلك تزويد بلدنا بمؤسسات تعكس واقعه التاريخي والثقافي، وتطلعاته من أجل السلم والديمقراطية والعدالة والتقدم الاقتصادي والرقي الاجتماعي».
وقال بيان لـ«المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي الشؤون الدينية»، إن «المجلس الدستوري لا بد أن ينهي المهزلة الحاصلة حالياً، فالوضع بدأ يتأزم، وينبغي أن تصدر مبادرة من الرئيس لاحتواء الوضع، وهذا ما يدفعنا إلى الاحتجاج غدا (اليوم) أمام مقر المجلس».