ما تقوم به ميليشيا الحوثي بحق أملاك وعقارات ومؤسسات ووظائف الدولة ليست إلا جرائم سعت هذه الميليشيا الإرهابية لتنفيذها وفقا لأجندة وأحقاد عنصرية وطائفية تجترها خلفها منذ عقود طويلة، وما الحقائق التي تمكنت صحيفة «الوطن» من كشفها في هذه التحقيق إلا جزءا يسيرا من سلسلة طويلة تعد أعظم وأقبح وأشد بشاعة، وهي حقائق مدعمة بالوثائق والأدلة والبراهين القاطعة، تؤكد وبما لا يدع مجالا للشك حقيقة هذه الميليشيا ومدى حقدها على شعبنا وأجياله القادمة.
المنح الإيرانية
سعت ميليشيا الحوثي الإيرانية للتوغل داخل أجهزة الدولة منذ وقت مبكر، وهو التوغل الذي أتاح لها التلاعب بمناصب الدولة الهامة، وسرقة قوت شعب بأكمله منذ تأسيس هذه الجماعة قبل عقود، قبل سرد تفاصيل عمليات الفساد هذه التي تكشف الوجه الحقيقي البشع لهذه الجماعة دعونا نتعرف أولا على كيف نشأت هذه الجماعة العنصرية التي باتت تلقب نفسها بـ جماعة «أنصار الله»؟
النشأة
بدأت هذه الجماعة تتشكل عقب إعلان توحيد اليمن عام 1990م، حيث أعلنت إيران حينها عن تقديم منح دراسية لليمن عددها «4000» منحة مجانية في عدد من معاهدها وجامعاتها تقديرا منها لظروف اليمن الاقتصادية والسياسية، حسب زعمها، وبهذا الإعلان قدم الرئيس الراحل «علي عبد الله صالح» شكره لإيران على هبتها الخيرية تلك، وبالفعل تم إرسال الطلاب اليمنيين للدراسة في إيران بنفس العام، وظلوا هناك حتى العام «١٩٩٩م» ليكون هذا العام بداية تأسيس جمعية «الشباب المؤمن» الخيرية في صعدة على يد بدر الدين الحوثي ونجله حسين وعدد من الطلاب اليمنيين العائدين من إيران.
بداية التمرد
في بداية انطلاق الجمعية أعلنت أن أهدافها مقتصرة على جمع الزكاة وإعادة توزيعها على الفقراء، وتعليم وتربية اﻷطفال في محافظة صعدة، وقد استمرت على هذا الحال حتى العام «2004م» عندما بدأت بفتح معسكرات تدريب والتحريض على الحكومة اليمنية في منابر المساجد، ثم تغير نشاط الجمعية من خيرية إلى حركه مسلحة، حيث أعلنت بذلك الحرب على الدولة والجيش، وخاضت ضدها 6 حروب طاحنة حتى نهاية العام «2009م» التي أودت بحياة أكثر من «10,000» يمني، كما اعتدت على إخواننا وأشقائنا في المملكة العربية السعودية، واحتلت عدة قرى داخل حدودها.
الانقلاب على الحلفاء
وفي العام «2011م» استغل الحوثيون ثورة الشباب وأعلنوا انضمامهم للثوار بساحة التغيير، وواصلوا توغلهم في الساحة اليمنية، كما وسعوا أنشطتهم الطائفية الممولة من إيران حتى تمت الإطاحة بالنظام السابق، لينقبلوا سريعا على حلفائهم من ثوار الساحات ويتحالفوا مع عدوهم القديم، ومن خلال ذلك تمكنوا من بسط سيطرتهم على مؤسسات الدولة كاملة بما فيها الجيش والأمن، وعندما استكملوا ذلك انقلبوا مجددا على حليفهم صالح ثم تخلصوا منه ليستفردوا بالسلطة والثروة بشكل عام.
حوثنة الدولة
لم يتوقف بهم الحال عند هذا الحد بل إنهم سعوا إلى وما يزالون لحوثنة كل مؤسسات الدولة من خلال التخلص من كل القيادات والمسؤولين غير المنتمين لسلالتهم؛ لتصبح المؤسسات جميعها في قبضتهم، ومن خلال ذلك بدأوا بنهب مقدرات الدولة وممتلكاتها وثرواتها وأراضيها بشكل عام.
الاستيلاء على شركة النفط
لعل من أبرز المؤسسات الحكومية وأهمها التي تعرضت للاحتلال ومصادرة أموالها بعد مؤسستي الجيش والأمن والبنك المركزي «شركة النفط اليمنية» التي تمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني؛ نظرا لما تدره من أموال لخزينة الدولة، فعقب دخول الميليشيا العاصمة صنعاء كانت شركة النفط ضمن المؤسسات التي تم احتلالها والاستيلاء عليها ومصادرة أموالها، كما كانت في مقدمة المؤسسات التي تعرضت للحوثنة، ولم تمض سوى فترة وجيزة وانطلاقا من مبرر الميليشيا المتمثل في خفض سعر الغاز إلى أقل من السعر الذي كان يباع به بدأت في إخفاء المشتقات النفطية عن المواطنين، لتقوم بعد ذلك برفع أسعارها بحجة أن الحرب هي من استنزفت ما لدى اليمنيين من الغاز والنفط، إلا أن تلك الجريمة سرعان ما تكشفت للرأي العام، واتضحت نية الحوثيين في افتعال كل تلك الأزمات بهدف نهب المال العام.
نهب مليارات الريالات
وفي الحقيقة، إن ذلك النهب لم يقتصر على الملايين كما قد يتصور البعض، وإنما تعدى حدود مليارات الريالات، وكل تلك المنهوبات من شركة النفط كانت من أجل إيقاف نشاط الشركة الأساسي، وإتاحة الفرصة لمشرفي الميليشيات للنهب والصرفيات إلى الجيوب وشراء السيارات والفلل لقيادات الميليشيا.
أرقام صادمة
مؤخرا كشف تقرير للجهاز المركزي حجم الفساد والتلاعب الذي تشهده شركة النفط «عائداتها ومدخلاتها» والتي تذهب جميعها إلى جيوب عناصر الميليشيا، حيث بين التقرير أن هناك تلاعبا كبيرا في بيانات النظام المحاسبي في إظهار المبلغ الحقيقي للمبالغ المحصلة من العمولات بما يفوق مبلغ «14» مليار ريال، مشيرا إلى حصول تضخم في مديونيات الشركة لدى بعض الجهات دون متابعة لتحصيلها، حيث تجاوزت مديونية الكهرباء حتى نهاية العام 2017م مبلغ «217» مليار ريال، فيما تجاوزت مديونية وزارة الدفاع «26» مليار ريال، وتعدت المديونية الخاصة باثنين من التجار مبلغ «2.3» مليار ريال، وكل ذلك بخلاف الصرفيات المهولة التي قامت بها قيادة الشركة للعديد من الجهات والشخصيات، وأيضا المقربين منها والتي حملتها على حساب المحطات، بالإضافة إلى إنفاق مبالغ كبيرة في شراء سيارات وأثاث ومولدات كهربائية لبعض قيادات الشركة الحوثية.
حسابات وهمية
كما أورد التقرير تورط قيادة الشركة في عمليات توريد وبيع مشتقات نفطية وهمية، بالإضافة إلى إغفالها متابعة الأموال التي صرفتها لعدد من الموردين والتي تجاوزت مبلغ «63» مليون دولار، كما وضح التقرير الصادر من الجهاز المركزي عدم التزام الشركة بما تضمنه المحضر الموقع عليه بين الشركة والجهاز المركزي من توصيات بتاريخ «26 أبريل 2018م» بشأن آلية تنظيم استيراد وتوزيع المشتقات النفطية، والذي تسبب في رفع أسعار المشتقات النفطية لأكثر من مرة وهو ما يرهق كاهل المواطن، وبذلك تراجع نشاط الشركة الأساسي المتمثل في البيع المباشر والتوزيع الداخلي للمشتقات النفطية بنسبة «86%» عن مبيعات 2015م، وكل ذلك يصب في خدمة التجار الحوثيين فقط.
أملاك وعقارات الدولة
ومن ضمن الجرائم الخطيرة التي تضاف إلى قائمة هذه الميليشيا الإرهابية قيامها بإصدار قرار إداري يقضي بتشكيل لجنة لاستلام أراضي القوات المسلحة، مكونة من قائد القوات الجوية وهيئة الطيران، والهدف منها الاستيلاء أو مصادرة أراضي المطار بالحديدة، والتي سبق وتحددت وسلمت في السبعينيات لهيئة الطيران والسلاح الجوي والقوات المسلحة، وبالفعل قامت اللجنة الحوثية تلك بمصادرة تلك الأراضي الشاسعة متجاهلة كل القوانين واللوائح التي تثبت ملكية تلك الأراضي لعدد من المواطنين وبعض رجال الدولة.
صكوك تمليك رسمية
ووفقا لوثائق رسمية حصلت عليها «الوطن» فقد قامت اللجنة الحوثية بتوزيع تلك الأراضي على عدد من قيادات الميليشيا، وكل ذلك تحت رعاية وإشراف المدعو «عبد الله جحاف» المعين مسؤول الأراضي والذي سبق له الاستيلاء على أراضي قوات الحرس الجمهوري بالعاصمة صنعاء والواقعة في منطقة «العشاش وعصر ونقم» وغيرها من المناطق، حيث تم تحويل بعض تلك الأراضي إلى مقرات عسكرية وتصنيع أسلحة داخل هذه المقرات، فيما وزعت البقية على قيادات الجماعة، وتم إصدار صكوك رسمية بتمليكهم إياها.
أراضي مطار الحديدة
إلى ذلك أصدرت قيادة الميليشيا قرارا رسميا بتقسيم أراضي مطار الحديدة، حيث ينص: «على تقسيم أراضي المطار وتحديدا المنطقة «7»، حيث إن المنطقة «1» استقطعت في العام «2001م» من حرم المطار لضباط القوات الجوية وتسمى «الكمب» وتحوي بداخلها بيوتهم وبعض منهم «تحوث»، أما المنطقة «2» والمنطقة «7» فقد استولى عليها أفراد الجوية في العام «2011م»، وعندما جاءت ميليشيا الانقلاب استولت عليها، ومن ثم بيعت على شكل قطع صغيرة، كما وزعت أجزاء كبيرة منها لقياداتها الذين بدورهم قاموا ببناء المنازل فيها، وبعضهم قام بحجزها من خلال تشييد أسوار.
منطقة عسكرية
أما المنطقة «3» الواقعة في الجهة الشرقية للمطار فقد قامت الميليشيا بتسوير مساحة قدرها «1500» متر منها وحولتها إلى منطقة عسكرية، رغم أن هذه المنطقة تعتبر أكثر خطرا لوجود عدد من مزارع المواطنين فيها إلا أن الميليشيا لم تلق لذلك بالا، اما المنطقة «4» فهي عبارة عن أراض شاسعة جدا، حيث تمتد من حرم المطار شرقا باتجاه من شارع الخمسين مرورا بمزرعة «الحمادى» والقاعدة الجوية، ومن خط الدريهمى جنوبا وشرق قرية منظر على شكل التفاف إلى الغرب وصولا إلى مدرج الطيران، ومن الجنوب الغربي بعد ساحة العروض من بوابة كتيبة الدفاع الجوي اللواء 13دفاع جوي إلى مبنى المطار مباشرة، هذه جميعها تمت السيطرة عليها من قبل الميليشيا رغم أنها تعد مناطق استراتيجية حساسة، لذلك ننصح بسرعة استعادتها حتى لا تتخذها الميليشيا سبيلا للعودة والسيطرة على تلك المناطق من جديد.
وبشكل عام ما تم سرده في هذه التناولة ليس سوى مقتطفات ونماذج بسيطة وسريعة لسلسلة طويلة وممتدة من عمليات الفساد والعبث والنهب والمصادرة التي تمارسها الميليشيا بحق ممتلكات الدولة ليس في الحديدة وحسب، وإنما في مختلف المحافظات والمناطق التي ما تزال تحت سيطرتها، لكننا نعدكم قراءنا الأعزاء بأن نتناول ونكشف ذلك بالوثائق تباعا في أعدادنا القادمة.
* نقلا عن صحيفة «الوطن» الرسمية الصادرة أمس الاربعاء: «٢٩ أغسطس ٢٠١٨م»