ترجع أهمية عملية القبض على الجاسوس "باروخ مزراحى" في اليمن إلى أنه لم يكن مجرد جاسوس اسرائيلي عادى وإنما ضابط مخابرات إسرائيلى ، وهذا يصنع فارق كبير، ويكفي أن نقول أن 5 ضباط من كل مخابرات العالم وفي تاريخ الجاسوسية كله تم القبض عليهم في دول معادية، منهم 2 ضباط إسرائيليين أحدهما (مرزاحي)، فقد كان يتبع أهم إدارات المخابرات الإسرائيلية وحدة مسادا (وحدة العمليات الخاصة) .
سافر باروخ زكي مزراحي إلي عدن ، وأنهي مهمته فيها بنجاح ، ثم إلي الحديدة (مايو 1972) ، فراح يتجوَّل في الأسواق كسائح ، والتقط عشرات الصور للميناء ، والسفن الراسية فيه، وإجراءات الأمن من حوله، ثم يعود إلي حجرته في الفندق (فندق الأخوة) .. ولكن فجأة ، وفي نفس اليوم الذي استعد فيه للسفر إلي (أديس أبابا) ، فوجئ بشابين من رجال الأمن اليمنيين في حجرته، يسألانه في لهجة مهذبة تفتيش حجرته، فحاول الاعتراض ، وثار ثورة مصطنعة، وهدد بالاتصال بسفارة (المغرب) ، ولكن أحداً لم يعره انتباهاً ، وعثر الشابان علي الأفلام ، فصاح مؤكداً أنها مجرد صور تذكارية للرحلة ، ولكن أحدهما دسّ يده في جيب (باروخ) ، وأخرج الرسوم الكروكية للميناء والمواقع العسكرية اليمنية.. سقط (باروخ) ، وتم اقتياده للتحقيق معه، ولكنه ظل يصر علي أنه مغربي الجنسية.
لم يعرف المحققون هويته الفعلية، فقد وجدت لديه عدة جوازات بأسماء عدة وجنسيات مختلفة ليس بينها شخصيته الحقيقية، فأصر نائب رئيس الوزراء لشئون الدفاع والأمن ونائب القائد العام للقوات المسلحة (إبراهيم الحمدي) على إبلاغ السلطات المصرية في ظل معارضة شديدة من وزير الداخلية حينها علي سيف الخولاني، وتقول بعض المصادر أن تاجرا إثيوبيا كان قد عرض دفع عشرة ملايين دولار مقابل اطلاقه.. أرسلت مصر رفعت جبريل أو من يسمونه (الثعلب) والذي وصل اليمن بسرية بالغة، وكشف عن هوية الجاسوس الحقيقية فور رؤيته، ذهل الجميع خصوصا انه ضابط رفيع وليس جاسوس عادي، ثم قام الثعلب باستلامه من إبراهيم الحمدي (ولازالت مصر تتحفظ عن نشر تفاصيل الاستلام والتسليم !!!!).
علمت اسرائيل وحاولت تخليص رجلها أثناء رحلة العودة بـ من (اليمن)، وقامت بإرسال وحدات كاملة لإنقاذ ضابطها ، واستخدمت الغواصات والطائرات الحربية في المطاردة، فاضطر (جبريل) العبور بصيده عن طريق الصحراء والوديان إلى أن وصل الى البحر ، وهناك تم التقاطه بغواصه مصرية ...
ومن خلاله حصلت مصر على خريطة طريق تفصيلية توضح أساليب العمل والتجنيد التي تتبعها وحدة )مسادا) ، كيف يزرعون جواسيسهم في الدولة الهدف ، أسلوب تحرك العملاء لجمع المعلومات التي تهم العدو ، أنماط التأمين المتبعة بداية من تكوين أسرة ، مرورا بالغطاء الاجتماعي ، ثم تكوين الصداقات مع قيادات عسكرية وسياسية ومدنية ، بعد الحصول على هذه المعلومات القيمة أصبح (باروخ مزراحي) اليهودي الإسرائيلى من أصل مصري قطعة اسفنج جافة ، أو صدر نعجة ضامرة بحسب تعبير الأخوة المصريين.
ساعد القبض على الجاسوس بشكل فاعل في وضع خطط حرب أكتوبر 73م والتي انتصر فيها العرب على العدو الصهيوني، وتم نشر تفاصيل هذه العملية كاملة -باستثناء بعض التفاصيل - في مسلسل اسمه (الصفعة ) بطولة شريف منير وهيثم أحمد زكي.. ومن أهم الحقائق التي لم يتم الكشف عنها في المسلسل تلك الحقيقة الغائبة -دون سبب واضح- والتي تكشف أن إبراهيم الحمدي (وليست مصر ) من صفع وجه (إسرائيل) بتلك القسوة.